تحطيم النجوم
تحطيم النجوم
سامح سعيد عبود
عندما كنت طفلا صغيرا، كان الناس ينقسمون فى عقلى لنوعين لا ثالث لهم، ايجابيون تنحصر فيهم كل الصفات الايجابية ، وسلبيون تنحصر فيهم كل الصفات السلبية ، فهكذا دائما و سواء فى أفلام السينما أو فى الحواديت ، دائما ما يكون البطل الطيب وسيما ذكيا ، والبطل الشرير قبيحا غبيا ، ولطالما صدمت بأن من كنت أظنهم ايجابيون يحملون بعض الصفات السلبية ،وإن من كنت أظنهم سلبيون يحملون بعض الصفات الإيجابية ، وكلما ازدادت خبرتى بالحياة ، كلما ازدادت معرفتى وتعمقت بأن البشر كائنات لا هى بالإيجابية على نحو مطلق ولا هى بالسلبية على نحو مطلق ، وإنما كل فرد من البشر هو مزيج فريد فى تنوعه ما بين الصفات السلبية والايجابية ، هو حزمة لا شبيه لها من السمات السلبية والإيجابية ، وتتنوع تلك الحزم بتعدد الأفراد من البشر ، كما أن تلك الحزم الفريدة غير ثابتة أو نهائية أو مطلقة لدى كل فرد على حدى ، بل يتغير تركيبها لديه بتغير كل لحظة يعيشها على الأرض ،وبتغير ما يؤثر فيه من ظروف و أحوال ، ومن ثم فمحاولات تنميط البشر وقولبتهم وإصدار الأحكام العامة والنهائية والثابتة والمطلقة بشأنهم مهمة فاشلة ، ولم يكن ما وصلت إليه إلا باحتكاكى بالناس وتأملهم.
و بالرغم من ذلك وفى شبابى المبكر ظللت أقسم البشر بين صنفين ، "العاديون" هؤلاء المتقوقعون حول شئونهم الخاصة ،وهم صنف أقرب للمثل السلبية إذ لا يأبه بمن حوله على غير حال الصنف الثانى "الثوريون" هؤلاء الذين يضحون بجهدهم ووقتهم وأحيانا حياتهم وحريتهم من أجل القضايا العامة التى لا تخصهم وحدهم ، و أحيانا التى لا تخصهم على الإطلاق ، وكان هؤلاء فى رأيى لابد وأن يكونوا هم الأفضل و الأقرب للمثل العليا إذ أنهم ايجابيون وغيريون ، ويناضلون من أجل تغيير الواقع على عكس المستسلمين للواقع ، ولكنى صدمت أيضا فى هؤلاء الثوريين بالاحتكاك بهم وبتأملهم ، وعرفت أن هؤلاء أيضا تنويعات شتى من الايجابيات والسلبيات ، وأن الدافع النفسى الكامن وراء التضحية بالذات من أجل المجموع قد لا يكون مثاليا مجردا عن الهوى والنزق فى كثير من الحالات ، فقد يكون وراءه طموحات فردية انتهازية مستترة لدى البعض منهم ، وربما تكون الدوافع لدى بعضهم أمراض وعقد نفسية ، وفى هذا الشأن لا يجب أن ننسى دوافع هامة للسلوك مثل شهوات الزعامة والتسلط والشهرة والخلود التى قد تحرك البعض منهم ، كما أننا لا يجب أن ننسى أن تمثيل الناس فى النقابات والمجالس النيابية وغيرها قد تكون وسائل للإرتزاق المادى و إن لم تكن كذلك فهى على الأقل وسائل للإشباع المعنوى بالسلطة والنفوذ ، وربما تكون روح المغامرة وراء ذلك السلوك الثورى عند البعض الآخر ، وفى هذا لا يجب أن نتناسى على الإطلاق أن المجرم العادى يغامر هو أيضا بحياته وحريته، فقد ينجح فى الوصول لهدفه الإجرامى الأنانى ويفر بغنيمته بلا عقاب ، وقد يخسر حياته وحريته بالقبض عليه ،وهو على إدراك كامل بكلا الاحتمالين لمغامرته .
ولقد تعلمت أنه ليس بالإيمان أو الإلحاد تتشكل سلوكيات البشر الأهم ، وأن العقائد عموما ليست دوافع قوية لسوء السلوك أو حسنه، وأن الوعظ والتربية الأخلاقيتين والثقافة كلها عوامل ضعيفة الأثر فى تحسين سلوكيات البشر وطرق تفكيرهم ، ذلك لأن سلوك وطريقة تفكير البشر كأفراد هو محصلة تفاعل معقد لعوامل الوارثة والبيئة وعشرات أخرى من المؤثرات الكيميائية والاجتماعية والثقافية.
أننا نتناسى ونحن نحاكم البشر أن سلوكهم وطريقة تفكيرهم وقيمهم ما هى إلا نتيجة منطقية لما يمارس عليهم من قهر واستغلال وتضليل يشوههم ويفسدهم ، وما سلوكهم وتفكيرهم ووعيهم إلا نتاج تلك البنية الاجتماعية التى ما نريد تغييرها إلا بسبب إفسادها وتشويهها لهم ، فكيف يراد للبشر أن يحسنوا من سلوكهم وطرق تفكيرهم دون تغيير تلك البنية الاجتماعية التى تدفعهم لسوء السلوك والتفكير .
بناء على ذلك أرى أننا سنضيع الوقت فى البحث عن أفضلهم ليقودوا البشر للتغيير المطلوب ، وإننا نهدر الطاقة فى الوعظ والتربية والتثقيف ، والأصح لدى أن يترك للناس حرية الإرادة والتصرف والممارسة العملية ، وأن تطلق مواهبهم الفردية ومبادرتهم وإبداعاتهم وطاقاتهم كأفراد وجماعات فيما هو عملى وبناء ، على أن يتحمل كل فرد باعتباره فرد المسئولية الكاملة عن سلوكه وتفكيره ، بأن يتحمل ان يلفظه الناس ويرفضوه أو يحتضنه الناس ويقبلوه معهم ، وأن تتحمل كل جماعة مسئولية فشلها نتيجة تهاونها مع سلبيات أعضاءها وقادتها ،السلوكية منها أو الفكرية.
أمام منطق تحمل المسئولية الاجتماعية فى مقابل الحرية الفردية ، فأن أى فرد يتعرض للعمل العام، وأى جماعة تنخرط فى العمل العام عليها الحرص على ما هو إيجابى سواء فى السلوك أو فى التفكير، وعدم التورط فيما يمكن أن يريق ماء الوجه ويورث الفشل ويورد موارد التهلكة ، وهذا المنطق ليس معناه التساهل والتهاون مع سلبيات البشر بل هو فى رأى الرادع الأكثر فعالية لتلك السلبيات ، بعد أن ثبت أن الوعظ والقهر لا يجديان كثيرا فى تحسن سلوك البشر وتفكيرهم ،بل أن ما يجدى فعلا ، وما يدفع الناس أن تسلك و أن تفكر على نحو إيجابى ،هو أن يكون عقابها أو ثوابها فورى على الأرض وليس مؤجلا فى السماء والعالم الآخر ، وهذا يتطلب درجة كبيرة من الشفافية والحرية والمساواة فى العلاقات الاجتماعية والجماعات البشرية المختلفة
يرى الكثير من الناس أن التحررية هى قرينة الانحلال من كل أو بعض القيم والمثل العليا ومن الالتزامات والمسئوليات قبل الآخرين ، وهذه خرافة لا تليق إلا بالمعتوهين ، ففى الحقيقة أن التحلل من القيم والمثل والالتزامات والمسئوليات يعنى الاعتداء على حريات وحقوق الآخرين أفرادا كانوا أو جماعات ، ومن ثم لا يمكن التساهل مطلقا وتحت أى مبرر مع هذا التحلل حرصا على حريات وحقوق الآخرين ، فمن لا يلتزم بتعهداته مع الآخرين يقيد حريتهم وينتهك حقوقهم ،وإذا تساهل معه هؤلاء فلا حق لهم فى الشكوى إن تمادى فى انتهاك المزيد من حقوقهم وحرياتهم، ولا يلومن إلا أنفسهم إذا أصابهم الفشل كأفراد أو كجماعات من جراء هذا التساهل ، ومن لم يحسنوا اختيار من يتعاملون معهم ،أو من يفوضونهم لمهام معينة أو من يمثلونهم لهيئات ما كالنقابات و المجالس النيابية وغيرها ، فعليهم تحمل تبعات سوء هذا الاختيار، ومن ثم سيكون عليهم فى المرات القادمة تحرى حسن الاختيار ،وهكذا يتعلمون الحكمة عبر الممارسة وليس عبر الوعظ .
التحرر والتقدم البشرى لا يحتاج لنجوم مقدسة إن لم يكن وجود مثل هؤلاء فى أى جماعة هو أهم معوقات التحرر والتقدم الفعلى ، فوجودهم فى أى جماعة يعنى وجود سلطة متعالية على الآخرين من العاديين فى تلك الجماعة ، سلطة قادرة على قهرهم واستغلالهم واستخدامهم لتحقيق أهدافها ، وهى سلطة قابلة للفساد والإفساد بطبيعتها طالما لم تكن خاضعة تماما فى وجودها وعدمها وممارستها لهؤلاء العاديين فى الجماعة ، كما أن وجودها نفسه فى أى جماعة نتيجة حتمية لذلك الفساد والإفساد ، وذلك كونها مصطنعة دائما ،لأنه فى الحقيقة لا يوجد من بين البشر من يستحق النجومية والقداسة وهذا لا يتناقض مع حقيقة أن البعض يملكون كفاءات ومواهب وخبرات لا يمتلكها البعض ألآخر ، إلا أن ما يملكونه مهما بلغ لا يعطيهم الحق فى النجومية والقداسة ، وعدم قبول إضفاء القداسة والنجومية على أحد لا يتناقض مع أن بعض الناس تتعاظم لديهم الإيجابيات بشكل يقربهم من الملائكة ، و أن بعضهم تتكاثر لديهم السلبيات بشكل يقربهم من الشياطين، إلا أن هذا لا يعنى أن الأولون ملائكة و أن الآخرون شياطين.
إنما يحتاج التحرر والتقدم لمفكرين و دعاة ومنظمين موهوبين، يؤدون مهاما عملية فى إنتاج الأفكار والدعاية لها وتنظيم أنشطة الناس المختلفة وفق مواهبهم الفعلية و إرادتهم الحرة ، سواء كأفراد أو من داخل جماعات منظمة ، كى تساعد محصلة جهودهم النهائية على التحرر والتقدم الاجتماعى ، بشرط أن يناضل كل هؤلاء دون ما أمل فى الحصول على أى امتيازات مادية كانت أو معنوية من جراء تلك المساهمة الطوعية ، فالجمعيات والهيئات التى لعبت دورا فى إحداث تغيرات عميقة فى تاريخ الإنسانية كانت تتكون من أناس عاديين لم ينتظروا تعليمات من أحد ليقوموا بمبادرتهم .الجمعية التأسيسية التى سبقت الثورة الفرنسية فى عام 1789وجمعية فلادلفيا فى أمريكا كانتا تتكونان من أناس عاديين يساندهم خبراء قانونيين ولديهم بعض الأفكار التى وجدوها لدى مونتسكيو ، وهم الذين أنشأوا هيئات ديمقراطية بعد ذلك .
ينقسم البشر أيضا لغالبية ساحقة من من يطلق عليهم "العاديين" أو "الجماهير" ، وقله من النجوم البشرية هؤلاء الذين يطلق عليهم النخب والصفوة والقادة والزعماء و الأبطال ..الخ ، وقد عرفت عبر رحلتى فى الحياة الكثيرين من هؤلاء النجوم والمقدسين ، سواء عن طريق التعامل المباشر معهم أو عبر القراءة والسمع عنهم ،هؤلاء الذين تضفى عليهم صفات الآلهة وما هم بآلهة ، هؤلاء الذين تغطى قداستهم المزعومة دونيتهم ، وتخفى نجوميتهم المصطنعة حقارتهم ، وكما اكتشفت زيف قداستهم ونجوميتهم عبر الاحتكاك ببعضهم وتأمل ما قرأته وسمعته عن بعضهم الآخر ، فقد اكتشفت أيضا كيف يصنعهم البعض ليستفيدوا من وجودهم ، وكيف يسمح لهم ضحاياهم بأن يركبونهم ، بل وكيف يساعد ضحاياهم على صنعهم ، وكيف يستبقيهم المنتفعين بوجودهم فى سماء النجوم والقداسة حتى بعد اكتشاف زيف قداستهم ونجوميتهم ، وكيف أنهم يستعبدون ويخدعون ويستغلون ضحاياهم بتسويق نجوميتهم وتكريس قداستهم .
عملية خلق النجم والقديس البشرى ،تعتمد على ثلاث عناصر رئيسية لا تتم عملية الخلق إلا بتفاعلهم سويا فى ظل شروط معينة للتفاعل.
المادة الخام للنجوم والقديسين
هو شخص لديه مواهب وكفاءات ومهارات محدده ، عقلية كانت أو جسمانية أو سلوكية ، تحدد بلا شك المجال الذى يمكن أن يمارس فيه نجوميته وقداسته ، السياسة أو الفن أو الدين أو الكتابة وغيرها من المجالات ، كما أن لدية الطموح والرغبة فى النجومية والقداسة والزعامة وهو يسعى إليها ما وسعه الجهد ، وللحظ وللمصادفات وللظروف المحيطة بالنجم بالطبع دورا هاما فى نجاحه فى تحقيق طموحه أو فشله فى ذلك .
أن هذه النجوم هم أفراد من الناس مما يطلق عليهم العظماء والزعماء والقادة و الأبطال والرواد والرموز إلى آخر ما تشاء من صفات التعظيم والتبجيل سواء أكانوا ساسة أو فنانين أو مفكرين أو كتابا وغيرهم من أنواع النجوم .
وأنه كما كانت الآلهة فى المعتقدات القديمة ، هى رموز متعددة لكل ما فى الكون من ظواهر طبيعية كالمطر والشمس والقمر ولكل ما يحمله الإنسان من أفكار ومثل وقيم ، فكان هناك آلهة للحرب والسلام ، وآلهة للشر و للخير ، وآلهة للقبح وآلهة للجمال وآلهة للباطل وآلهة للحق ، فإن من أتحدث عنهم من نجوم ورموز بشرية ليس بالضرورة أن تكون مقدسة ومحبوبة ومشهورة لدى كل البشر فى نفس الوقت ،فما هو مقدسا ومحبوبا ومشهورا لدى البعض قد يكون محقرا ومكروها ومجهولا لدى البعض الآخر ،وللناس فى اختيار قديسيهم ونجومهم ورموزهم البشرية أمزجة شتى ،كما أن هناك نجوم كبيرة ولامعة وشهيرة وأخرى صغيرة اقل لمعانا وشهرة ،هناك من اختاروا السياسة والعمل العام مجالا لنجوميتهم ،وهناك من اختاروا طريق الفكر والكتابة، وهناك من اختار طريق الفن والأدب وهناك من اختاروا طريق الدين .
المنتفعون
لكى تتحول المادة الخام للنجم أو القديس السابق الإشارة إليها من حالة الإمكانية لحالة الواقع ، يلزم لها جماعات و أفراد من المنتفعين تمارس الدعاية للنجم وتلميعه وتسويقه بين الجمهور ، وإخفاء سلبياته وتضخيم إيجابياته ،والدفاع عنه مهما بلغ النقد ضده ،وتشويه خصومه ومنافسيه والتأمر ضدهم والتشهير بهم ، وتبرير أخطاءه أو إنكارها ،وتضخيم إنجازاته و ادعاء بعضها ، والمبالغة فى مدحه والإلحاح على جمهور المستهلكين لبضاعتهم بالحكايات عنه ومنه، وتصوير وجوده بينهم كأنه نفحة إلهية ونعمة من السماء ، وعدمه بأنه كارثة على البشر وفرصة ضائعة لا تعوض ، ولكى تستمر النجوم فى مكانتها ولأنه لا يوجد ما هو مجانى فى عالمنا فعليها أن ترتكز فى وجودها ولمعانها ومكانتها على منتفعين بوجودها راضين بالفتات من الشهرة والامتيازات ،قانعين بأدوار السنيدة و المطيباتية وإدارة أعمال النجم أو القديس والأكل على مائدته .
قد يكون المنتفعين مجرد الدائرة الضيقة من حاشية النجم أو القديس ،أو يضاف إليها مؤسسات كأجهزة الإعلام أو مؤسسات الدولة أو أحزاب ونقابات وجمعيات ، وشبكات من العلاقات العامة والخاصة ، وشلل وجماعات من الأصدقاء والدراويش و المحاسيب ،وحتى بعد أن يموت النجم أو القديس فإن المنتفعين يستمرون فى أداء مهمتهم ،ذلك لأن النجم تحول لسلعة منتجة للقيمة والفائدة ، تحول لسلطة ما فى المجال الذى لمع نجمه فيه حتى وهو فى قبره ،ولأن الأمر أمر مصالح مادية ومعنوية للمنتفعين فأنه حتى بعد افتضاح البريق الزائف للنجم و واكتشاف خواءه وبشريته القاصرة وسلبياته، فأننا نجد الكهنة مستمرون فى أداء أدوارهم السابقة بلا خجل ،ولأن هناك فرق بين سلعة فى يد بائع متجول ينادى عليها فى الشوارع ، وسلعة معروضة فى أرقى المحلات و تتبناها مؤسسة إعلامية وإعلانية عملاقة ،فأننا نجد أنه كلما لمع بريق النجم كان هذا معناه أنه أكثر قربا من مؤسسات عملاقة كالدولة وكبريات وسائل الإعلام ، وكلما خبا بريق النجم كان هذا معناه أنه أكثر بعدا عن المؤسسات ، بصرف النظر عن القيمة الفعلية للنجم سواء فى حالتى انطفائه أو لمعانه .
الجماهير
لا تكتمل العملية إلا بوجود الجمهور القابل لعبادة النجم أو القديس ،هؤلاء العاديين من السذج القابلين للخداع والتضليل ،والذين تنطلى عليهم الدعاية ،وسحر الإعلام ،لولا عيوب هذا الجمهور النفسية والعقلية ما استطاع المنتفعون تحويل الموهوبين لنجوم وقديسين ،ولظلوا مجرد موهوبين.
وفى الختام انوه إلى أنه لا تحرر و لا تقدم إلا بتحطيم النجوم ،باخضاع الجميع لسلاح النقد والمساءلة والتقويم الموضوعى ،برفض ثقافة المدح والهجاء ، بمقاومة آليات صناعة النجوم ، بمقاطعتها وفضحها،بكشف حقيقة النسبى وزيف المطلق فى كل ظاهرة بشرية وطبيعية ،بنزع القداسة عن العالم.
عندما كنت طفلا صغيرا، كان الناس ينقسمون فى عقلى لنوعين لا ثالث لهم، ايجابيون تنحصر فيهم كل الصفات الايجابية ، وسلبيون تنحصر فيهم كل الصفات السلبية ، فهكذا دائما و سواء فى أفلام السينما أو فى الحواديت ، دائما ما يكون البطل الطيب وسيما ذكيا ، والبطل الشرير قبيحا غبيا ، ولطالما صدمت بأن من كنت أظنهم ايجابيون يحملون بعض الصفات السلبية ،وإن من كنت أظنهم سلبيون يحملون بعض الصفات الإيجابية ، وكلما ازدادت خبرتى بالحياة ، كلما ازدادت معرفتى وتعمقت بأن البشر كائنات لا هى بالإيجابية على نحو مطلق ولا هى بالسلبية على نحو مطلق ، وإنما كل فرد من البشر هو مزيج فريد فى تنوعه ما بين الصفات السلبية والايجابية ، هو حزمة لا شبيه لها من السمات السلبية والإيجابية ، وتتنوع تلك الحزم بتعدد الأفراد من البشر ، كما أن تلك الحزم الفريدة غير ثابتة أو نهائية أو مطلقة لدى كل فرد على حدى ، بل يتغير تركيبها لديه بتغير كل لحظة يعيشها على الأرض ،وبتغير ما يؤثر فيه من ظروف و أحوال ، ومن ثم فمحاولات تنميط البشر وقولبتهم وإصدار الأحكام العامة والنهائية والثابتة والمطلقة بشأنهم مهمة فاشلة ، ولم يكن ما وصلت إليه إلا باحتكاكى بالناس وتأملهم.
و بالرغم من ذلك وفى شبابى المبكر ظللت أقسم البشر بين صنفين ، "العاديون" هؤلاء المتقوقعون حول شئونهم الخاصة ،وهم صنف أقرب للمثل السلبية إذ لا يأبه بمن حوله على غير حال الصنف الثانى "الثوريون" هؤلاء الذين يضحون بجهدهم ووقتهم وأحيانا حياتهم وحريتهم من أجل القضايا العامة التى لا تخصهم وحدهم ، و أحيانا التى لا تخصهم على الإطلاق ، وكان هؤلاء فى رأيى لابد وأن يكونوا هم الأفضل و الأقرب للمثل العليا إذ أنهم ايجابيون وغيريون ، ويناضلون من أجل تغيير الواقع على عكس المستسلمين للواقع ، ولكنى صدمت أيضا فى هؤلاء الثوريين بالاحتكاك بهم وبتأملهم ، وعرفت أن هؤلاء أيضا تنويعات شتى من الايجابيات والسلبيات ، وأن الدافع النفسى الكامن وراء التضحية بالذات من أجل المجموع قد لا يكون مثاليا مجردا عن الهوى والنزق فى كثير من الحالات ، فقد يكون وراءه طموحات فردية انتهازية مستترة لدى البعض منهم ، وربما تكون الدوافع لدى بعضهم أمراض وعقد نفسية ، وفى هذا الشأن لا يجب أن ننسى دوافع هامة للسلوك مثل شهوات الزعامة والتسلط والشهرة والخلود التى قد تحرك البعض منهم ، كما أننا لا يجب أن ننسى أن تمثيل الناس فى النقابات والمجالس النيابية وغيرها قد تكون وسائل للإرتزاق المادى و إن لم تكن كذلك فهى على الأقل وسائل للإشباع المعنوى بالسلطة والنفوذ ، وربما تكون روح المغامرة وراء ذلك السلوك الثورى عند البعض الآخر ، وفى هذا لا يجب أن نتناسى على الإطلاق أن المجرم العادى يغامر هو أيضا بحياته وحريته، فقد ينجح فى الوصول لهدفه الإجرامى الأنانى ويفر بغنيمته بلا عقاب ، وقد يخسر حياته وحريته بالقبض عليه ،وهو على إدراك كامل بكلا الاحتمالين لمغامرته .
ولقد تعلمت أنه ليس بالإيمان أو الإلحاد تتشكل سلوكيات البشر الأهم ، وأن العقائد عموما ليست دوافع قوية لسوء السلوك أو حسنه، وأن الوعظ والتربية الأخلاقيتين والثقافة كلها عوامل ضعيفة الأثر فى تحسين سلوكيات البشر وطرق تفكيرهم ، ذلك لأن سلوك وطريقة تفكير البشر كأفراد هو محصلة تفاعل معقد لعوامل الوارثة والبيئة وعشرات أخرى من المؤثرات الكيميائية والاجتماعية والثقافية.
أننا نتناسى ونحن نحاكم البشر أن سلوكهم وطريقة تفكيرهم وقيمهم ما هى إلا نتيجة منطقية لما يمارس عليهم من قهر واستغلال وتضليل يشوههم ويفسدهم ، وما سلوكهم وتفكيرهم ووعيهم إلا نتاج تلك البنية الاجتماعية التى ما نريد تغييرها إلا بسبب إفسادها وتشويهها لهم ، فكيف يراد للبشر أن يحسنوا من سلوكهم وطرق تفكيرهم دون تغيير تلك البنية الاجتماعية التى تدفعهم لسوء السلوك والتفكير .
بناء على ذلك أرى أننا سنضيع الوقت فى البحث عن أفضلهم ليقودوا البشر للتغيير المطلوب ، وإننا نهدر الطاقة فى الوعظ والتربية والتثقيف ، والأصح لدى أن يترك للناس حرية الإرادة والتصرف والممارسة العملية ، وأن تطلق مواهبهم الفردية ومبادرتهم وإبداعاتهم وطاقاتهم كأفراد وجماعات فيما هو عملى وبناء ، على أن يتحمل كل فرد باعتباره فرد المسئولية الكاملة عن سلوكه وتفكيره ، بأن يتحمل ان يلفظه الناس ويرفضوه أو يحتضنه الناس ويقبلوه معهم ، وأن تتحمل كل جماعة مسئولية فشلها نتيجة تهاونها مع سلبيات أعضاءها وقادتها ،السلوكية منها أو الفكرية.
أمام منطق تحمل المسئولية الاجتماعية فى مقابل الحرية الفردية ، فأن أى فرد يتعرض للعمل العام، وأى جماعة تنخرط فى العمل العام عليها الحرص على ما هو إيجابى سواء فى السلوك أو فى التفكير، وعدم التورط فيما يمكن أن يريق ماء الوجه ويورث الفشل ويورد موارد التهلكة ، وهذا المنطق ليس معناه التساهل والتهاون مع سلبيات البشر بل هو فى رأى الرادع الأكثر فعالية لتلك السلبيات ، بعد أن ثبت أن الوعظ والقهر لا يجديان كثيرا فى تحسن سلوك البشر وتفكيرهم ،بل أن ما يجدى فعلا ، وما يدفع الناس أن تسلك و أن تفكر على نحو إيجابى ،هو أن يكون عقابها أو ثوابها فورى على الأرض وليس مؤجلا فى السماء والعالم الآخر ، وهذا يتطلب درجة كبيرة من الشفافية والحرية والمساواة فى العلاقات الاجتماعية والجماعات البشرية المختلفة
يرى الكثير من الناس أن التحررية هى قرينة الانحلال من كل أو بعض القيم والمثل العليا ومن الالتزامات والمسئوليات قبل الآخرين ، وهذه خرافة لا تليق إلا بالمعتوهين ، ففى الحقيقة أن التحلل من القيم والمثل والالتزامات والمسئوليات يعنى الاعتداء على حريات وحقوق الآخرين أفرادا كانوا أو جماعات ، ومن ثم لا يمكن التساهل مطلقا وتحت أى مبرر مع هذا التحلل حرصا على حريات وحقوق الآخرين ، فمن لا يلتزم بتعهداته مع الآخرين يقيد حريتهم وينتهك حقوقهم ،وإذا تساهل معه هؤلاء فلا حق لهم فى الشكوى إن تمادى فى انتهاك المزيد من حقوقهم وحرياتهم، ولا يلومن إلا أنفسهم إذا أصابهم الفشل كأفراد أو كجماعات من جراء هذا التساهل ، ومن لم يحسنوا اختيار من يتعاملون معهم ،أو من يفوضونهم لمهام معينة أو من يمثلونهم لهيئات ما كالنقابات و المجالس النيابية وغيرها ، فعليهم تحمل تبعات سوء هذا الاختيار، ومن ثم سيكون عليهم فى المرات القادمة تحرى حسن الاختيار ،وهكذا يتعلمون الحكمة عبر الممارسة وليس عبر الوعظ .
التحرر والتقدم البشرى لا يحتاج لنجوم مقدسة إن لم يكن وجود مثل هؤلاء فى أى جماعة هو أهم معوقات التحرر والتقدم الفعلى ، فوجودهم فى أى جماعة يعنى وجود سلطة متعالية على الآخرين من العاديين فى تلك الجماعة ، سلطة قادرة على قهرهم واستغلالهم واستخدامهم لتحقيق أهدافها ، وهى سلطة قابلة للفساد والإفساد بطبيعتها طالما لم تكن خاضعة تماما فى وجودها وعدمها وممارستها لهؤلاء العاديين فى الجماعة ، كما أن وجودها نفسه فى أى جماعة نتيجة حتمية لذلك الفساد والإفساد ، وذلك كونها مصطنعة دائما ،لأنه فى الحقيقة لا يوجد من بين البشر من يستحق النجومية والقداسة وهذا لا يتناقض مع حقيقة أن البعض يملكون كفاءات ومواهب وخبرات لا يمتلكها البعض ألآخر ، إلا أن ما يملكونه مهما بلغ لا يعطيهم الحق فى النجومية والقداسة ، وعدم قبول إضفاء القداسة والنجومية على أحد لا يتناقض مع أن بعض الناس تتعاظم لديهم الإيجابيات بشكل يقربهم من الملائكة ، و أن بعضهم تتكاثر لديهم السلبيات بشكل يقربهم من الشياطين، إلا أن هذا لا يعنى أن الأولون ملائكة و أن الآخرون شياطين.
إنما يحتاج التحرر والتقدم لمفكرين و دعاة ومنظمين موهوبين، يؤدون مهاما عملية فى إنتاج الأفكار والدعاية لها وتنظيم أنشطة الناس المختلفة وفق مواهبهم الفعلية و إرادتهم الحرة ، سواء كأفراد أو من داخل جماعات منظمة ، كى تساعد محصلة جهودهم النهائية على التحرر والتقدم الاجتماعى ، بشرط أن يناضل كل هؤلاء دون ما أمل فى الحصول على أى امتيازات مادية كانت أو معنوية من جراء تلك المساهمة الطوعية ، فالجمعيات والهيئات التى لعبت دورا فى إحداث تغيرات عميقة فى تاريخ الإنسانية كانت تتكون من أناس عاديين لم ينتظروا تعليمات من أحد ليقوموا بمبادرتهم .الجمعية التأسيسية التى سبقت الثورة الفرنسية فى عام 1789وجمعية فلادلفيا فى أمريكا كانتا تتكونان من أناس عاديين يساندهم خبراء قانونيين ولديهم بعض الأفكار التى وجدوها لدى مونتسكيو ، وهم الذين أنشأوا هيئات ديمقراطية بعد ذلك .
ينقسم البشر أيضا لغالبية ساحقة من من يطلق عليهم "العاديين" أو "الجماهير" ، وقله من النجوم البشرية هؤلاء الذين يطلق عليهم النخب والصفوة والقادة والزعماء و الأبطال ..الخ ، وقد عرفت عبر رحلتى فى الحياة الكثيرين من هؤلاء النجوم والمقدسين ، سواء عن طريق التعامل المباشر معهم أو عبر القراءة والسمع عنهم ،هؤلاء الذين تضفى عليهم صفات الآلهة وما هم بآلهة ، هؤلاء الذين تغطى قداستهم المزعومة دونيتهم ، وتخفى نجوميتهم المصطنعة حقارتهم ، وكما اكتشفت زيف قداستهم ونجوميتهم عبر الاحتكاك ببعضهم وتأمل ما قرأته وسمعته عن بعضهم الآخر ، فقد اكتشفت أيضا كيف يصنعهم البعض ليستفيدوا من وجودهم ، وكيف يسمح لهم ضحاياهم بأن يركبونهم ، بل وكيف يساعد ضحاياهم على صنعهم ، وكيف يستبقيهم المنتفعين بوجودهم فى سماء النجوم والقداسة حتى بعد اكتشاف زيف قداستهم ونجوميتهم ، وكيف أنهم يستعبدون ويخدعون ويستغلون ضحاياهم بتسويق نجوميتهم وتكريس قداستهم .
عملية خلق النجم والقديس البشرى ،تعتمد على ثلاث عناصر رئيسية لا تتم عملية الخلق إلا بتفاعلهم سويا فى ظل شروط معينة للتفاعل.
المادة الخام للنجوم والقديسين
هو شخص لديه مواهب وكفاءات ومهارات محدده ، عقلية كانت أو جسمانية أو سلوكية ، تحدد بلا شك المجال الذى يمكن أن يمارس فيه نجوميته وقداسته ، السياسة أو الفن أو الدين أو الكتابة وغيرها من المجالات ، كما أن لدية الطموح والرغبة فى النجومية والقداسة والزعامة وهو يسعى إليها ما وسعه الجهد ، وللحظ وللمصادفات وللظروف المحيطة بالنجم بالطبع دورا هاما فى نجاحه فى تحقيق طموحه أو فشله فى ذلك .
أن هذه النجوم هم أفراد من الناس مما يطلق عليهم العظماء والزعماء والقادة و الأبطال والرواد والرموز إلى آخر ما تشاء من صفات التعظيم والتبجيل سواء أكانوا ساسة أو فنانين أو مفكرين أو كتابا وغيرهم من أنواع النجوم .
وأنه كما كانت الآلهة فى المعتقدات القديمة ، هى رموز متعددة لكل ما فى الكون من ظواهر طبيعية كالمطر والشمس والقمر ولكل ما يحمله الإنسان من أفكار ومثل وقيم ، فكان هناك آلهة للحرب والسلام ، وآلهة للشر و للخير ، وآلهة للقبح وآلهة للجمال وآلهة للباطل وآلهة للحق ، فإن من أتحدث عنهم من نجوم ورموز بشرية ليس بالضرورة أن تكون مقدسة ومحبوبة ومشهورة لدى كل البشر فى نفس الوقت ،فما هو مقدسا ومحبوبا ومشهورا لدى البعض قد يكون محقرا ومكروها ومجهولا لدى البعض الآخر ،وللناس فى اختيار قديسيهم ونجومهم ورموزهم البشرية أمزجة شتى ،كما أن هناك نجوم كبيرة ولامعة وشهيرة وأخرى صغيرة اقل لمعانا وشهرة ،هناك من اختاروا السياسة والعمل العام مجالا لنجوميتهم ،وهناك من اختاروا طريق الفكر والكتابة، وهناك من اختار طريق الفن والأدب وهناك من اختاروا طريق الدين .
المنتفعون
لكى تتحول المادة الخام للنجم أو القديس السابق الإشارة إليها من حالة الإمكانية لحالة الواقع ، يلزم لها جماعات و أفراد من المنتفعين تمارس الدعاية للنجم وتلميعه وتسويقه بين الجمهور ، وإخفاء سلبياته وتضخيم إيجابياته ،والدفاع عنه مهما بلغ النقد ضده ،وتشويه خصومه ومنافسيه والتأمر ضدهم والتشهير بهم ، وتبرير أخطاءه أو إنكارها ،وتضخيم إنجازاته و ادعاء بعضها ، والمبالغة فى مدحه والإلحاح على جمهور المستهلكين لبضاعتهم بالحكايات عنه ومنه، وتصوير وجوده بينهم كأنه نفحة إلهية ونعمة من السماء ، وعدمه بأنه كارثة على البشر وفرصة ضائعة لا تعوض ، ولكى تستمر النجوم فى مكانتها ولأنه لا يوجد ما هو مجانى فى عالمنا فعليها أن ترتكز فى وجودها ولمعانها ومكانتها على منتفعين بوجودها راضين بالفتات من الشهرة والامتيازات ،قانعين بأدوار السنيدة و المطيباتية وإدارة أعمال النجم أو القديس والأكل على مائدته .
قد يكون المنتفعين مجرد الدائرة الضيقة من حاشية النجم أو القديس ،أو يضاف إليها مؤسسات كأجهزة الإعلام أو مؤسسات الدولة أو أحزاب ونقابات وجمعيات ، وشبكات من العلاقات العامة والخاصة ، وشلل وجماعات من الأصدقاء والدراويش و المحاسيب ،وحتى بعد أن يموت النجم أو القديس فإن المنتفعين يستمرون فى أداء مهمتهم ،ذلك لأن النجم تحول لسلعة منتجة للقيمة والفائدة ، تحول لسلطة ما فى المجال الذى لمع نجمه فيه حتى وهو فى قبره ،ولأن الأمر أمر مصالح مادية ومعنوية للمنتفعين فأنه حتى بعد افتضاح البريق الزائف للنجم و واكتشاف خواءه وبشريته القاصرة وسلبياته، فأننا نجد الكهنة مستمرون فى أداء أدوارهم السابقة بلا خجل ،ولأن هناك فرق بين سلعة فى يد بائع متجول ينادى عليها فى الشوارع ، وسلعة معروضة فى أرقى المحلات و تتبناها مؤسسة إعلامية وإعلانية عملاقة ،فأننا نجد أنه كلما لمع بريق النجم كان هذا معناه أنه أكثر قربا من مؤسسات عملاقة كالدولة وكبريات وسائل الإعلام ، وكلما خبا بريق النجم كان هذا معناه أنه أكثر بعدا عن المؤسسات ، بصرف النظر عن القيمة الفعلية للنجم سواء فى حالتى انطفائه أو لمعانه .
الجماهير
لا تكتمل العملية إلا بوجود الجمهور القابل لعبادة النجم أو القديس ،هؤلاء العاديين من السذج القابلين للخداع والتضليل ،والذين تنطلى عليهم الدعاية ،وسحر الإعلام ،لولا عيوب هذا الجمهور النفسية والعقلية ما استطاع المنتفعون تحويل الموهوبين لنجوم وقديسين ،ولظلوا مجرد موهوبين.
وفى الختام انوه إلى أنه لا تحرر و لا تقدم إلا بتحطيم النجوم ،باخضاع الجميع لسلاح النقد والمساءلة والتقويم الموضوعى ،برفض ثقافة المدح والهجاء ، بمقاومة آليات صناعة النجوم ، بمقاطعتها وفضحها،بكشف حقيقة النسبى وزيف المطلق فى كل ظاهرة بشرية وطبيعية ،بنزع القداسة عن العالم.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية