الأحد، 4 يوليو 2010

معوقات العمل الجماعى العام

معوقات العمل الجماعى العام
سامح سعيد عبود
هل فكرة العمل المباشر، أو ما يسمى بالتحرر الذاتى، كممارسة طويلة الأمد للتغيير الاجتماعى، لا تعنى سوى أن نستقيل من العمل الجماعى العام، وخاصة أنه توجد الكثير من الأسباب التى تعيق العمل الجماعى العام، الذى هو أساس أى ممارسة اجتماعية ثورية كانت أم إصلاحية، ومن ثم فعلى كل من الثوريين أو الإصلاحيين، على السواء أن يكفوا جميعا عن العمل الجماعى العام طالما أن هناك معوقات جسيمة تقف فى طريقهم।
أننا نواجه دولة، تمارس القمع، سواء بقفازات حريرية أم بقبضات حديدية، و تتدخل فى كل عمل جماعى لتمنعه، أو لتسيطر عليه وتفسده، ومن ثم يصبح خوض معركة تقليص دور الدولة للحد الأدنى مهمة ضرورية وملحة للغاية، لكى يمكن أن نطلق العمل الجماعى من قيوده، إلا أنه حتى فى ظل هذا القمع المفرط، يمكن أن ننتزع مساحات من الحريات الفردية والحقوق لأنفسنا، وأن نساعد من يرغب فى أن يتحرر مثلنا، وذلك فى تقديرى خير من انتظار انتهاء القمع الدولتى ذات يوم، عندما تشاء الغالبية التمرد على وضع الخضوع، وتنجح فى رفع القمع من على كاهلها.
لما كانت أعمارنا قصيرة للغاية، و لا ينبغى أن نستنزفها فى انتظار يوم القيامة الثورية، فعلينا أن نحقق أوسع قدر ممكن من الحرية، حتى فى ظل هذا القمع مع مقاومته وفضحه فى نفس الوقت، فهل من الخيالى أن نتحرر من عبودية العمل المأجور كأفراد وجماعات صغيرة إذا أمكنا ذلك، دون انتظار أن تتحرر كل قوى العمل المأجور من عبوديتها الأجيرة، وخصوصا أن البشر تخلصوا من الأشكال السابقة من العبودية الكاملة والجبرية بالتدريج وبالعديد من الوسائل، وليس فى يوم عالمى للخلاص النهائى من العبودية.
أن الدولة وأجهزتها البيروقراطية العاتية، ليست مطلقة القدرة، و إلا كانت استطاعت القضاء على الأنشطة غير المشروعة، وأشكال الاقتصاد غير الرسمى الذى يشكل حجما ضخما فى الاقتصاد، ويحرمها بالتالى من موارد ضريبية ضخمة، فنساء المفقودين والمعتقلين والقتلى اليساريين إثناء حكم بينوشية فى شيلى استطاعوا أن يشكلوا شبكة عمل جماعى متصلة بشبكات أخرى فى الخارج لترويج منتجات منزلية مختلفة صنعوها بأيديهم ساعدتهم على توفير سبل الحياة التى حرمتهم منها السلطة القمعية.
الجمعيات التعاونية أى كان نشاطها كيانات موجودة منذ أكثر من مئة وخمسين عاما عبر العالم، وقد نشأت بمعزل عن الحكومات، حتى تدخلت الحكومات فى تنظيمها، وهى أحد الأشكال التنظيمية التى يطرحها الأناركيون التعاونيين لتجاوز الرأسمالية والدولة، والمطلوب ليس إعادة اختراعها من جديد، وإنما تحريرها فقط من سيطرة الدولة وتشوهات البقرطة والرسملة التى تلحق ببعض ممارستها، وهذا لا يحتاج ليوم قيامة ثورية، وما نحتاج إليه لتحريرها وتخليصها من تشوهاتها هو أمرين الأول انهاء سيطرة الدولة على الحركة التعاونية، وهذا يحتاج لمعركة سياسية، والثانى خلق تعاونيات تحررية خالية من الرسملة والبقرطة بعيدا عن تدخل الدولة، وترسانة قوانينها ومؤسساتها.
أن الغالبية الساحقة من البشر ليسوا مهيئين للتحرر من واقع عبوديتهم، ذلك لأنهم ليسوا مقموعين ومضللين فقط، ولكن لأنه تم تشكيلهم عقليا طوال تاريخهم الطويل، وبواسطة مؤسسات المجتمع والدولة ليقبلوا بوضع عبوديتهم باعتباره الوضع الطبيعى، و تم اقناعهم بأن الشأن العام هو مسئولية الساسة والحكام لا مسئوليتهم هم، و من ثم فإن قضية تحررهم من العبودية لا تعنيهم، كما إن الشئون العامة للمجتمع والعالم لا تعنيهم، إلا إذا مست مصالحهم الشخصية المباشرة، وهم ليسوا على استعداد لتحمل مسئوليات العمل الجماعى العام، وقد تعودوا على إلقاءها على عاتق الغير، والتهرب منها كلما أمكن، إلا إذا حققت لهم مصلحة شخصية مباشرة.
غالبية الناس الساحقة يقتصر دورهم على الفرجة على الاستعراضات التى تقدمها لهم النخب الحاكمة، وذلك بمتابعة ما تبثه لهم أجهزة الإعلام المختلفة، أو الساسة فى مهرجانات الانتخابات العامة، لكن دون تعمق فى الفهم للشئون العامة، الذى لا يمكن أن يتحقق لهم عبر وسائل الثقافة والتعليم والحملات الانتخابية التى تسيطر عليها النخب الحاكمة والمالكة، ومن ثم هم أسرى غوغائية الإعلانات، وضجيج الدعاية، والتعليم المؤدلج، ومن هنا تصبح خياراتهم فى الانتخابات ليست تعبيرا عن مصالحهم، وإنما تأثرا بروعة الدعاية والإعلان والإثارة.
لا تتجاوز اهتمامات الغالبية الساحقة من البشر ثقافة الاستهلاك والترفيه والتسلية والمتعة الغريزية، معظمهم مدمن على الفرجة على ما يلقي إليه من الاستعراضات السياسية و الرياضية والفنية، التى تلهيهم وتخدرهم، وتحرمهم من الفهم، وتصيبهم فى النهاية بالبلاهة والجهل، وحتى بعد انتشار الانترنت وبرغم كل ما فيه من إمكانية مذهلة و رخيصة للثقافة والفهم العميقين، وبرغم إمكانياته الرائعة فى تشكيل عقول متحررة من سيطرة النخب الحاكمة والمالكة، فإن الغالبية العظمى من مستخدمى الانترنت، لا يستخدمونه إلا لمتابعة مواقع الجنس والخرافات و الإثارة والألعاب والدردشة الفارغة والثرثرة التافهة، والخلاصة أن الغالبية الساحقة من البشر مدمنون لأشكال متنوعة من المخدرات، ومهووسون بالمتعة الغريزية والمصلحة الشخصية ولا شئ آخر، وبرغم كل ما حققته البشرية من تقدم علمى ومعرفى مذهل، فإنهم وعلى التضاد من ذلك يكرهون العلم، ويدمنون الخرافة ، و فى حين يتشككون فى العلماء فإنهم يسلمون عقولهم لكل من يبيع لهم الخرافة.
الثقافة السائدة تقوم على قيم التنافس الفردى والصراع على المنافع الأنانية ، و من ثم تم ترسيخ الحلول الفردية، وتم رفع قيمة تحقيق المصلحة الشخصية، وهى ثقافة مضادة لقيم التعاون والتكافل لتحقيق المصالح المشتركة، وهو ما يمكن أن يدفع الناس للعمل الجماعى التعاونى.
الثقافة السائدة هى التى تدفع عشرات الألوف من شباب العاطلين المصريين سنويا للمغامرة ببيع بعض ممتلكاتهم أو ممتلكات ذويهم الصغيرة ليدفعوها لعصابات الهجرة السرية لأوروبا حيث يتعرض هؤلاء الشباب إما إلى الموت فى عرض البحر أو الترحيل من على الشواطىء الأوروبية، ولكنهم لا يفكرون فى تنظيم أنفسهم فى جمعيات تعاونية إنتاجية يستثمرون فيها نقودهم القليلة ومهاراتهم المختلفة، ويضمنون عمل حر فى بلادهم بدلا من تلك المغامرة غير المأمونة.وتلك الثقافة السائدة هى التى تدفع الكثير من الناس للهجرة أو للعمل فى أكثر من عمل فى نفس الوقت فى مواجهة ارتفاع الأسعار، ولكنهم لا يفكرون فى تنظيم أنفسهم فى جمعيات تعاونية استهلاكية، توفر عليهم ما يدفعوه للتجار، وتمنحهم الفرصة لتقليص عدد ساعات عملهم ليستمتعوا بالحياة.
الحقيقة أن الحرية والمساواة والعدل والتقدم لم تكن يوما محور اهتمام غالبية الناس الساحقة، وإنما هو محور اهتمام قلة طليعية، ناضلت عبر التاريخ دافعة الإنسانية معها لتحقيق كل ما تم تحقيقه من حريات وحقوق للإنسان وتقدم للبشرية، و ما يرفضه الأناركيون هو أن تشكل تلك الأقلية الطليعية من نفسها وصية على الغالبية، مدعية تمثيلها، ومحاولة للوصول للسلطة لتحقيق برنامجها، لأنها فى النهاية سوف تعيد إنتاج القهر والاستغلال، طالما ظلت الغالبية على حالتها سالفة الذكر، وانطلاقا من ذلك فإن الدور المطروح على هذه الطليعة أن تقدم نماذج عملية للتحرر تنطلق من تلبية مصالح أفراد الغالبية المباشرة، وفى حالتنا تلك التعاونيات الاستهلاكية لمواجهه ارتفاع الأسعار، والتعاونيات الانتاجية لتوفير فرص للعمل.