الخميس، 24 نوفمبر 2011

من أجل انهيار أسعار السلع والخدمات

من أجل انهيار أسعار السلع والخدمات

سامح سعيد عبود

يتعالى السياسى الإصلاحى على ما توقعته الجماهير من نجاح الانتفاضة الثورية بمصر فى اسقاط رأس النظام، وهو أن تنخفض أسعار السلع والخدمات أو تستقر على الأقل، وأن ترتفع الأجور، وكأن الجماهير كانت لابد وأن تنتفض فقط لكى يمكنه أن يتداول التسلط عليها مع منافسيه من الساسة الآخرين بحرية ونزاهة فيما يسمى بالديمقراطية البرلمانية، ولكن الحقيقة أن خروج الملايين للشوارع كان بسبب احتياجها للخبز فبدونه لا حياة لهم، وبدونه أيضا لا حرية لهم فى أن يختاروا من بين هؤلاء الساسة من سوف يكون عليه الدور ليحكمهم كل عدة سنوات، فالجائع لا يمكن أن يعرف معنى الكرامة قبل أن يسد حاجة المعدة، وطالما أن الأجور لا تلبى احتياجات الفقراء المادية، فهم إما إن يطالبوا برفعها، أو باستقرار الأسعار أو خفضها، أو أن ينتفضوا ضد من يعوق تحقق أحلامهم البسيطة، وهو ما حدث بالفعل.

لا يدرك معظم الناس أن الأسعار التى يدفعونها فى السلع والخدمات حاليا هى أكبر بأضعاف مضاعفة من تكلفتها الحقيقية، وأن ما يجب أن يدفعوه فى الخدمات فى كثير من الأحيان لابد وأن يكون رمزيا أو بلا مقابل، وذلك لسببين الأول أن هناك تضخم هائل فى حجم الأموال المتداولة فى سوق الأموال العالمى، يبلغ تقريبا تسع أضعاف الناتج الإجمالى العالمى فى الاقتصاد الإنتاجى، والثانى أن هناك جشعا رهيبا فى تسعير السلع والخدمات نتيجة الاحتكارات والأوضاع الاحتكارية، وهذا ليس شأنا محليا على الإطلاق، يمكن إصلاحه بتغيير النظام فى مصر، و لا بتغيير الحكومات، أو بتداول السلطة بين السياسيين الإصلاحيين الذين لا يملكون إلا تسويق الشعارات، والحلول الوهمية قبل وصولهم للحكم، ليعجزو عن الوفاء بما وعدوا به عندما يحكمون، فلا يستطيعون أن يفعلوا سوى اعطاء المسكنات لأعراض الداء.

ما نحن بصدده ظاهرة عالمية، بدأت مع بدايات القرن الماضى، بسبب سيطرة رأسالمال المالى على الاقتصاد العالمى، ونمت إلى هذا الحجم المخيف الآن مع اوائل القرن الواحد والعشرين، ولا شك أن تفاقمها على هذا النحو أحد الأسباب المفجرة لتلك الموجة الثورية العالمية الحالية، المندلعة فى العديد من البلاد، تحت ضغط الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، وثيقة الصلة بتلك الظاهرة.

النقود مجرد وسيلة للتبادل لاقيمة لها فى حد ذاتها، و هى مجرد تعبير رمزى عن الثروات فى الواقع من سلع وممتلكات، ومن ثم فلابد وأن تكون قيمة النقود مساوية لقيمة الإنتاج المحلى، وفق القواعد المستقرة فى المالية العامة، والتى اعتبرت أنه من الجنون أن تطبع الحكومة نقودا تزيد عن تلك القيمة، فالأثر المرعب لهذا الفعل هو زيادة الطلب على العرض، ومن ثم زيادة الأسعار فيما يعرف بالتضخم، ولذلك تم تشريع العقوبات فى مواجهة تزييف النقود، وهذا ما يلاحظه الناس مثلا عند أى زيادة حكومية للأجور، فإنه يتلوها ارتفاع فى الأسعار، والتى لا يمكن كبحها فى ظل السوق الحرة إلا بتسعيرالسلع والخدمات جبريا.

النقود مجرد أوراق تملك قيمتها من كونها ضمان للدفع محمى بقوة القانون، الذى تشرعة وتراقب تنفيذه الدولة التى أصدرتها، و لابد وأن تكون مغطاة بالإنتاج الذى يتم تدواله عبر النقود كوسيط للتبادل، فإذا قلت النقود عن قيمة الإنتاج فسوف يحدث ركود، وتنخفض الأسعار، وإذا زادت النقود حدث التضخم وزادت الأسعار، فالنقود المتداولة فى السوق لابد وأن تساوى فى النهاية قيمة ما تتوسط بينه فى عمليات الشراء والبيع، هذا ما كان يحدث قديما حتى جرت مياة فى نهر الاقتصاد العالمى، أزالت القداسة عن تلك القاعدة التقليدية.

فيما يتعلق بأثر الإلتزام بهذه القاعدة والإخلال بها، لو أخذنا مصر كنموذج، فسوف نجد أنها خرجت من الحرب العالمية الثانية، وحجم ديونها الخارجية صفر تقريبا، بل ودائنة لبريطانيا التى أنهكت فى الحرب، وكانت قيمة الجنية الذهب فى ذلك الوقت أقل قليلا من قيمة الجنية الورقى، أما الآن فى ظل الظروف الاقتصادية الجديدة، فحجم الدين المحلى يقترب من حجم الإنتاج الإجمالى المحلى، حيث يبلغ 89% منه تقريبا، وبالإضافة إلى الدين الخارجى فسيتضح أن مصر تنتج ما يقل كثيرا عن ما عليها سداده من ديون، و من ناحية أخرى وصل سعر الجنية الذهب إلى ما يزيد عن 2500 جنية ورقى، و يوحى هذا الرقم بالحجم الرهيب فى ارتفاع أسعار السلع عبر السبع عقود الماضية، الأمر الذى لم تلاحقه زيادة الأجور بنفس المعدل، و قد وصل سعر صرف الدولار الأمريكى إلى ستة أضعاف سعر الجنية بعد أن كان الجنية خمس أضعاف سعر الدولار فى سوق الصرف، ذلك لأن الدولار الأمريكى لم يكن عملة الصرف المعتمدة فى التجارة الدولية فى تلك الأيام.

ما يهمنا هنا أن نعرف أن ما حدث ليس له علاقة جوهرية بنظام ما قبل 52 ولا بنظام ما بعد 52، و لا شأن لفاروق، أو عبد الناصر أو السادات أو مبارك و لا من سوف يأتى بعدهم بالموضوع، لأنهم أشخاص مفعول بهم لا فاعلين، حتى ولو كان لهم هامش مناورة و حركة محدود بقيمة اقتصادهم القومى فى الاقتصاد العالمى، حتى و لو كانوا أسود على شعوبهم فهم فى النهاية مجرد نعاج أمام رغبات الرأسمال العالمى، فحريتهم فى الحركة عالميا لا تتجاوز هامش النظام العالمى لا مركزه، وهم يتحركون من موقع التبعية للمركز شاءوا أم أبوا، أما ما يروج له الساسة والنخب بين الجمهور من عنتريات ما قتلت يوما ذبابة، حول أوهام الاكتفاء الذاتى، والتحرر الوطنى، والتنمية المستقلة، طلبا للمشجعين لهذا الرئيس أو ذاك، أو هذا الحزب أو ذاك، فهو من قبيل الدعاية الأيديولوجية، والثرثرة الفارغة، لا علاقة لها بحقيقة المسألة، ولا غرض منها سوى رغبة الساسة فى التسلط على الجماهير ببيع الأوهام لها، و فيما يتعلق بتفكير الجماهير فهم أقرب لتفكير الفلاح القرارى الذى لا يتجاوز عالمه حدود قريته، غير مدرك المدى الهائل لتأثير ما يحدث فى المدينة، و ما وراء حدود بلاده على مصيره.

العوامل المؤثرة فى القصة ليست الطباع الشخصية والقرارات السياسية للرؤساء والملوك، الذين تتابعوا على حكم مصر، ولكنها حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية، خرجت من الحرب الثانية، باستثناء الكتلة السوفيتية، وهى أكبر الدول الصناعية الدائنة إن لم تكن الوحيدة، وصاحبة أكبر احتياطى محلى من الذهب، وتنتج بمفردها ما يزيد عن نصف الإنتاج الإجمالى العالمى، الذى كان فى معظمه عندئذ إنتاج سلعى، حيث لم يكن كل من الاقتصاد المالى و الاقتصاد الخدمى قد بلغا هذا الحد من التغول حينذاك، فى حين أن كل الدول الصناعية غربا وشرقا، خرجت مفلسة و مدينة ومدمرة، و بناء على ذلك تم عقد اتفاقية بريتون وودز عقب الحرب الثانية التى تم الاتفاق فيها على أن يكون الدولار الأمريكى هو عملة التدوال المعتمدة فى التجارة الدولية بضمان احتياطى الذهب الأمريكى، جدير بالذكر أن أيام عبد الناصر كان جزءا كبيرا من التجارة الخارجية مع الكتلة السوفيتية، ولذلك لم يتجاوز سعر الصرف للدولار نصف جنيه، وازداد السعر مع عصر انفتاح السادات، وتفاقم على عهد مبارك مع انهيار الكتلة السوفيتية.

بعد الحرب العالمية الثانية أخذ الدولار الأمريكى يغزو جيوب المقترضين والمتعطشين للاستثمار والاستهلاك، عبر العالم، دولا ومؤسسات وأفراد، وشهد العالم فترة رواج طويلة الأمد، بدعم فيض القروض الأمريكية، ودعم الكتلة السوفيتية، فيما عرف بربع القرن المجيد الذى امتد حتى أوائل السبعينات، والتى نهضت فيه الدول الصناعية التقليدية مجددا، لتدخل عملاتها الحرة سوق التجارة الدولية، و كان من الطبيعى أن تعقب فترة الرواج الطويلة فترة كساد بعد أن تشبع السوق بالسلع، و التى كان لابد وأن تنخفض أسعارها إلا أن ما حدث هو العكس تماما إذ أخذت الأسعار تزيد رغم استمرار الركود، مخالفة بذلك القواعد الاقتصادية.

والسبب فى ذلك أنه فى مواجهة الركود فى الإنتاج السلعى الذى لحق بالدول الصناعية المتقدمة، تم إلغاء إتفاقية بريتون وودز، وأصبح الدولار وباقى عملات السوق الحرة، بلا غطاء سلعى يحميها و يضمنها إلا القوة العسكرية ذاتها لتلك الدول، حيث لم يعد حجم عملات السوق الحرة يعبر عن حجم الإنتاج المحلى للدول التى تصدرها، و أخذت الدول الصناعية المتقدمة تطبع المزيد من العملات، وتصدر المزيد من السندات المالية للتداول فى السوق العالمية، متجاوزة القاعدة القديمة، مشجعة المقترضين على المزيد من الاقتراض، ومحفزة المستثمرين على شراء سنداتها، وعملاتها، والاحتفاظ بها، والمضاربة عليها، والمتاجرة فيها، ولما كانت السندات هى ديون علي الدول والمؤسسات التى أصدرتها، فإنها عند العجز عن تسديدها أو دفع فوائدها، فإنها تصدر المزيد من السندات لسداد ديونها وفوائدها، وتحولت بذلك لدول مدينة لحاملى سنداتها من دول ومؤسسات وأفراد عبر العالم، والأخطر أن قيمة الديون وفوائدها المتراكمة تحمل على سعر السلع التى يستهلكها المستهلك دون أن تكون له أى علاقة بالديون.

والجدير بالذكر أن تلك القروض التى تراكمت لدى الدول المدينة كثيرا ما كانت نتيجة لسداد الديون القديمة وفوائدها أو لشراء سلع استثمارية أو استهلاكية، كشكل من أشكال التصريف الإجبارى لمنتجات الدول الدائنة، والمثال الفج على ذلك ما تشتريه سنويا دول الخليج العربى من أسلحة تنتجها الدول الصناعية التقليدية، لا تمكنها كثافتها السكانية من استخدامها الفعلى، فتتركها للصدأ، وتستدعى جيوش نفس الدول لتحميها عند تعرضها للخطر، كما حدث فى حرب الخليج، وفى تطور لاحق أصبح ما تصدره حديثا الدول الدائنة للدول المدينة، ليس سلعا فحسب بل خدمات تأمين وقروض وسندات وأوراق مالية، وحقوق ملكية فكرية وحقوق تصنيع وتجميع وعلامات تجارية وخلافه، تزيد من أسعار السلع المحملة بتكلفة تلك الخدمات.

ومع زيادة الطلب على الدولار وباقى عملات السوق الحرة، والسندات المالية، والمضاربة عليها، والمتاجرة فيها، أخذ حجم النقود والأوراق المالية، يزيد بشكل متضاعف فى العالم عن حجم الإنتاج العالمى الحقيقى، مما تسبب فيما يسمى بالركود التضخمى، وكان هذا هو الحل الذى طبقته الدول الصناعية المتقدمة فى مواجهة أزمة الركود، و هو تشجيع الناس على المزيد من الاستهلاك، والمزيد من الاقتراض، بالمزيد من طباعة النقود، و اصدار السندات، والتشجيع على تداولها بينهم، و تحفيزهم على المتاجرة فيها، والمضاربة عليها، ليزيد سعرها أو يقل، مع تقلبات سوق المال، و التى لم تعنى فى النهاية سوى المزيد من الديون، على الدول المصدرة للسندات والعملات والدول المستوردة لها على السواء.

والسؤال هنا لماذا لم يتم اتباع سياسات زيادة الطلب العام على السلع والخدمات، بتشغيل العمالة لزيادة الاستهلاك، لمواجهة كساد السبعينات، بعد أن ثبت نجاح تلك السياسة فى مواجهة أزمة الثلاثينات، والإجابة هى أن السياسات نفسها وعلى المدى الطويل من تطبيقها، تسببت فى التضخم الحادث، فقد وفرت حالة رواج ما بعد الحرب الثانية، تشغيل شبه كامل للعمالة، وتوسع سوق الخدمات فيما يسمى بدولة الرفاهية، والرعاية الاجتماعية، وتشجيع الأفراد على انماط كمالية وترفية من الاستهلاك للسلع والخدمات، وهذا أدى لزيادة التكلفة الإنتاجية فى الدول الصناعية المتقدمة نتيجة ارتفاع الأجور، التى كانت تعنى زيادة الطلب وارتفاع الأسعار، مما تسبب فى هجرة الصناعة كثيفة العمالة من الدول الصناعية المتقدمة فى مرحلة لاحقة للدول الصناعية الحديثة، هربا منها للأيدى العاملة الرخيصة، لتتحول الدول الصناعية المتقدمة إلى دول مستوردة للسلع المصنعة، و مصدرة فى نفس الوقت للخدمات، فضلا عن السلع عالية التقنية، وهو ما احتفظت به لنفسها، وليتركز الدولار وغيره من عملات السوق الحرة أكثر فأكثر فى يد الدول الصناعية الحديثة، فتصبح إحداها، وهى الصين بمفردها نتيجة هذه السياسة، منتجة لنصف الإنتاج السلعى العالمى، وأكبر دائنة للولايات المتحدة، دون أن تفكر فى التخلى عن الدولار كوسيط للتبادل فى التجارة الدولية، حتى لا تنهار أسعار صرفه، و تفقد بذلك قيمة ديونها لدى الولايات المتحدة، وتخسر احتياطها من النقد الأجنبى، برغم أن ما تحوزه من دولارات وسندات أمريكية لا قيمة فعلية تستند عليها، كم أنه على الجانب الآخر يمكن للولايات المتحدة سحب دولاراتها من الصين فتمتص ثروات الصين من النقد الأجنبى، ولكن هذا يعنى انهيار سعر الدولار فى الأسواق، فالوضع فى التجارة الدولية هو لعبة عض أصابع متبادل بين دائنين ومدينين فى نفس الوقت، و لا أحد يريد أن يصرخ مفلتا أصبع الآخر من فمه، و لا أحد يريد أن يقطم أصبع الآخر، مفضلين حالة التوازن المؤلم بينهم.

يكتسب قطاع الخدمات إذن كل هذه النسبة الهائلة التى تدور ما بين 70% و 80% فى إجمالى الناتج المحلى فى اقتصاديات الدول عالية النمو ليس على أساس من قيمة الخدمات الفعلية فى الاقتصاد، إذ تكمن مكاسبها الهائلة فى معظم الأحيان من احتكار مقدمى الخدمات، على حساب نقص ما يربحه منتجى القيمة الفعلية التى يتم إنتاجها فى الاقتصاد السلعى، فسعر السلعة محمل بتكلفة خدمات الإعلان والنقل والتغليف وفوائد القروض وقيمتها و أقساط التأمين وتكلفة الأمن والتخزين وغيرها من خدمات دونما علاقة لهذه الخدمات بتحديد قيمتها الحقيقية، وإن كانت فى نفس الوقت ترفع من سعرها فى السوق، فيدفع المشترى ثمن ما لا يستهلكه من خدمات، وهذا نوع من اللصوصية يتحمله المستهلك، وهو لا يدرى.

نتيجة حرصها على تشجيع أنماط الاستهلاك المسرفة، والحفاظ على مستويات المعيشة المرتفعة، التى اعتاد عليها المواطن هناك، تحولت الولايات المتحدة مثلها مثل الدول الصناعية التقليدية، من أكبر الدول الدائنة إلى أكبر الدول المدينة فى العالم، بقيمة الأوراق المالية التى صدرتها للعالم وفوائد هذه الأوراق المالية ، ومن أجل سداد هذه الديون وفوائدها مازالت تصر على إصدار سندات جديدة لسداد قيمة وفوائد السندات القديمة، والديون كلها مجرد ورق مضمون بالقوة العسكرية للولايات المتحدة لاعلاقة له بالاقتصاد الحقيقى، و لا بما تنتجه تلك البلاد من سلع.

والنتيجة النهائية لتلك العملية ضخ المزيد من النقود فى سوق التداول، والمزيد من زيادة الطلب، والمزيد من ارتفاع الأسعار، وتسرى نفس النتيجة على الدول المدينة أيضا بما سحبته من قروض من الدول الدائنة، لتشترى سلعها وخدماتها، وهى بدورها تستمر فى الاقتراض، واصدار السندات لسداد القروض القديمة وفوائدها المتراكمة، لتزيد فى النهاية حجم ديونها .

كما إنه من نافل القول أن الاحتكارات والأوضاع الاحتكارية وشبه الاحتكارية، تفرض ما يسمى بالسعر الاحتكارى على السلعة بما يزيد كثيرا عن تكلفتها، وهو وضع تستفيد منه الشركات متعدية الجنسية.

الحقيقة أن الاقتصاد العالمى أصبح فى معظمه بعيدا تماما عن الاقتصاد الإنتاجى الحقيقى، و الذى يبلغ حجمه عشر الاقتصاد العالمى، أما الاقتصاد المالى الرمزى فيستحوزعلى 90% من الأموال برغم أنه مجرد عمليات تداول للديون الموجودة فى شكل أوراق مالية من نقود وسندات وأسهم، والمضاربة عليها، مما يزيد من أسعارها، والنقود الزائدة نفسها، والناتجة عن هذه العملية تزيد من الطلب على السلع والخدمات فى السوق، ومن ثم ترتفع أسعارها.

ونظرا لأن الأرباح فى الاقتصاد الرمزى أعلى منها فى الاقتصاد السلعى، و أقل مخاطرة وأقل طلبا للجهد والعمل، فإن هذا اللون من الاستثمار يحجز 90% من الأموال بعيدا عن الاستثمار فى إنتاج السلع الضرورية لحياة الناس، وهذا بدوره يحافظ على الأسعار فى هذا المستوى المرتفع بدلا من الانخفاض المتوقع فى حالة الاستثمار الواسع فى الإنتاج السلعى، ولك أن تتخيل مقدار ما يمكن أن تبنية تلك الأموال المجمدة من مصانع، وما يمكن أن تستصلحه من أراضى، وما يمكن أن توظفه من عمالة، وتأثيرها على ارتفاع مستوى رفاهية سكان الأرض، وتخفيض عدد ساعات العمل، والقضاء على الندرة والبطالة بينهم.

هل يمكن الخروج من تلك الدائرة الجهنمية، بأن تنخفض أسعار السلع والخدمات كما توقعت تلك الجماهير وخرجت لأجله فى انتفاضتها، على نطاق محلى كما يعدها بهذا الساسة الإصلاحيون، من الواضح أن الخروج من المأزق العالمى الطابع لن يكون إلا على نطاق عالمى لتصفية اقتصاد الإقراض والوساطة التجارية والسمسرة و المضاربات والمتاجرة فى الديون، فكل تلك الأموال المستثمرة فى الاقتصاد الرمزى تعبر الحدود بسهولة، ويحوز ملاكها سلطات تفوق أقسى الحكومات سطوة، ويخضع لإرادتهم كل الساسة الإصلاحيين، والذين يجب و أن يلبوا أوامرهم لا أوامر الجماهير التى انتخبتهم، و مهمة التخلص من تلك الديكتاتورية فوق الحكومية، لن تنجزها دولة بحجم مصر الاقتصادى، و لا الدول العربية مجتمعة كما يبشر بهذا القوميون العرب، و لا الدول الإسلامية مجتمعة كما يبشر بهذا الإسلاميون، أنها مهمة عالمية تتجاوز حدود كل الدول مهما كبرت، بما فيها الولايات المتحدة بذاتها، ولذلك فهناك خيوط قوية تجمع بين ما حدث فى مصر وتونس وليبيا، وبين ما يحدث فى اليونان وأسبانيا والولايات المتحدة، فالقضية واحدة ، والمقاومة واحدة، وإن كان الوعى بأبعاد القضية وحلها مازال محدودا للغاية، والسبب فى هذا هم الساسة الإصلاحيين محدودى الأفق الذين يعوقون تطوير العملية الثورية، بإدعاءتهم الواقعية، و بما يسوقوا له من أوهام إصلاحية بين الجماهير، والمشكلة أيضا فى الجماهير التى مازلت تفكر كالفلاح القرارى، الذى لا يتجاوز أفقه حدود قريته.

من يملكون الأموال المستثمرة فى الاقتصاد المالى، لا يمكن إلزامهم بدقة بدفع الضرائب لأنهم ببساطة يستطيعون تحويل أموالهم عبر الحدود، وتهريبها إلى الجنات الضريبية، ولا يمكن مقاومة جشعهم للربح، بالنضالات العمالية التقليدية، ولذلك فكل الوسائل التقليدية للدولة القومية لن تفلح فى استئصالهم، ما يمكن أن يفلح فقط هو اسقاط الشرعية القانونية، والحماية الدولية عن ما يمتلكوه من أوراق مالية وسندات ونقود، لتعود مرة أخرى مجرد أوراق لا قيمة لها، أو أن يجبروا على استثمارها فى الاقتصاد الحقيقى، ولما كانت كل الحكومات متورطة فى إضفاء الحماية الشرعية والدولية على ما يملكوه، فإنه لا حل للمشكلة إلا باسقاط كل الحكومات التى تحميهم، وبناء ديمقراطية مباشرة حقيقة على كل الأرض، و فى كل الوحدات السياسية والإدارية و فى كل منشئات العمل والسكن، بدلا من تلك الديمقراطية البرلمانية المزيفة التى تعبر عن سلطة الرأسماليين والبيروقراطيين والساسة المهيمنين على الكوكب، و فيما يتعلق بإمكانية التطبيق العملى للديمقراطية المباشرة الآن وليس غدا، عالميا ومحليا رجاء الإطلاع على كتاب سياسة بلا سياسيين ل (عكيفا أور) على الرابط

www.abolish.power.org

فالديمقراطية المباشرة هى ما يمكن أن تحقق تطلعات الجماهير المنتفضة، لا دوامة الديمقراطية البرلمانية العبثية.

و يمكن اقتراح العديد من الإجراءات على الجماهير فى حالة حصولهم على السلطة لتحقيق أمالهم، و يمكن طبعا تطبيق هذه الإجراءات بعضها أو كلها، كليا أو جزئيا، محليا أو عالميا، وفق توازنات القوى، وما سوف تؤول إليه الأوضاع فى المستقبل، و وفقا لإجابة التاريخ على سؤال اللحظة، هل نحن بصدد المناوشات الأولية لثورة عالمية قادمة، سوف تقلب النظام القائم رأسا على عقب، أم مجرد سلسلة انتفاضات ثورية سوف تؤول لإصلاحات محلية، تحافظ على جوهر النظام؟، مع الإقرار بأن الحل النهائى والكامل لن يكون إلا فى إطار ثورة عالمية.

الاجراءات المقترحة التى يمكن أن تحقق انخفاض حاد فى أسعار السلع والخدمات لصالح المستهلكين يمكن تلخيصها فيما يلى:

1. إلغاء الديون والرهون وفوائدها المتراكمة.

2. تجريم ومنع المضاربة على السندات والنقود والأوراق المالية والأسهم والسلع والمعادن والمقتنيات الثمينة والعقارات.

3. إلغاء العوائد المالية لحقوق الملكية الفكرية و التصنيع و التجميع و العلامات التجارية والرخص التجارية.

4. إلغاء استخدام عملات السوق الحرة كعملات التدوال المعتمدة فى التجارة الدولية، واستخدام وسيط آخر للتبادل الدولى بشرط أن يكون إصداره وحمايته وضمانه غير مرتبط بدولة معينة.

5. تفكيك الاحتكارات وتصفية الأوضاع الاحتكارية فى كل القطاعات الاقتصادية.

6. تخفيض عدد ساعات العمل فى كل القطاعات بما يسمح بتشغيل كل المتعطلين عن العمل، وصولا للتشغيل الكامل للعمالة، مع الحفاظ على نفس مستوى الأجور من الانخفاض.

7. حرية الهجرة والإقامة والعمل مقابل حرية التجارة وتدفق الاستثمارات.

8. ربط الأجر بالإنتاجية ووقت العمل الفعلى.

9. تركيز الاستثمارات فى قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات الاجتماعية الضرورية.

10. تعميم التعاونيات الاستهلاكية لتكون أداة التبادل الوحيدة بين المنتجين المباشرين للسلعة والمستهلكين المباشرين للسلعة.

11. تعميم التعاونيات الإئتمانية والتأمينية، فى قطاعات الإئتمان والتأمينات،.

12. أن تتم كل عمليات البيع والشراء عبر حسابات جارية بلا فوائد، للأفراد والمؤسسات بالبنوك التعاونية و ببطاقات الإئتمان، وتجريم ومنع التداول خارج هذا النظام.

13. التسعير الاجتماعى للسلع والخدمات بناء على التوافق بالتفاوض الجماعى بين المنتجين والمستهلكين.

14. منح حق الإنتفاع بالعقارات غير المشغولة و لا المستخدمة، للمحرومين من المساكن والأراضى لاستخدامها، بمقابل رمزى.

15. تحرير البحث العلمى والتكنولوجى من سيطرة الشركات الرأسمالية والحكومات، ليخضع للإرادة الشعبية فى توجيه سياسته لتلبية مصالح البشر فى التقدم والرفاهية لا تحقيق الأرباح للرأسماليين والبيروقراطيين، وتوفير ما يلزمه من تمويل بعيدا عن الحكومات والشركات.

16. الإلتزام بأعلى مستوى ممكن من الجودة للسلع والخدمات وفق أعلى مستوى ممكن من التكنولوجيا المتاحة.

17. نزع السلاح من العالم، وحل كل الجيوش، والاكتفاء بقوات للشرطة خفيفة التسلح لحفظ الأمن، وإلغاء الإنفاق العسكرى، وتوجيه صناعة السلاح للأغراض السلمية لرفاهية البشر.

×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××