الأربعاء، 28 مايو 2008

موجز تاريخ المادة والوعى(11) كيف تنعكس الأشياء؟

موجز تاريخ المادة والوعى(11) كيف تنعكس الأشياء؟
سامح سعيد عبود
علمنا مما سبق أن الحركة هى الشكل العام لوجود المادة و أن الترابط الشامل المتبادل بين الكائنات المادية هو أيضا أحد الخصائص العامة للمادة الا أن هناك خاصة عامة أخرى هى الانعكاس و نستطيع أن نعرفه بانه قدرة الكائن المادى على التأثر بالكائنات المادية الأخرى التى تؤثر فيه بخواصها المختلفة، و فى نفس الوقت فأنه يؤثر بدوره فى الأجسام الأخرى وهكذا ... والكائن المادى المؤثر يكون إيجابيا بالنسبة للجسم المتأثر الذى يكون سببا بالنسبة له، وهناك علاقة وطيدة بين الانعكاس كخاصة عامة للمادة شأنها شأن الحركة، و بين السببية باعتبارها أساس كل الظواهر، و الحقيقة إن المادة تتكون من أعداد لا نهائية من الكائنات المادية التى تتفاعل فيما بينها فى علاقات مترابطة متبادلة، و هى فى هذا تحدث تغيرات فى بعضها البعض تتناسب مع نوع الخاصية المؤثرة من حرارة وبرودة وخشونة ونعومة وسيولة وصلابة و رطوبة و جفاف ... الخ ، و حالات الكائن المادى من خمول ونشاط وكتلة و طاقة و حجم وسرعة .. الخ ، سواء أكان هذا الكائن متأثراً بكائن آخر أو مؤثرا فى كائن آخر وفى الغالب فأننا نجد كافة الكائنات المادية خاضعة لما لا نهاية له من المؤثرات الخارجية الصادرة من كائنات أخرى وهو فى نفس الوقت يؤثر فيما لا نهاية له من الكائنات المادية التى ترتبط معه فى علاقة ما.فتوجيه قذيفة من أشعة ألفا أو بيتا أو جاما إلى نواة الذرة يحدث تخلخلاً فى التوازن داخل النواة بين مكوناتها، و الذى كان يكسبها إستقرارها الا أن هذا القذف يؤدى إلى نشاط اشعاعى يتولد فى النواة مساوى لتأثير قذيفة الاشعاع الموجه إليها أى أنها تتحول من ذرة مستقرة إلى ذرة مشعة إلى أن تصل حالة الاستقرار مرة أخرى عند زوال أثر القذيفة المشعة التى وجهت إليها، فما سبق أن اكتسبته النواة من الجسيمات تفتقده النواة فى شكل اشعاع فعملية الانعكاس ناتجة عن التأثير المتبادل للأشياء فى بعضها البعض، وهذا التبادل يسبب تغير فى خواص و وضع الجسم المتأثر السلبى، والذى بدوره قد يؤثر فى جسم آخر فيصبح إيجابيا.فلو سخنا قطعة من السلك فان كمات الطاقة الحرارية المسلطة على قطعة السلك سوف تمتصها إلكترونات مستوى الطاقة الأخير لذرات قطعة السلك مما يحرك هذه الإلكترونات إلى خارج هذه المستويات تاركة وراءها فوتونات تنطلق فى شكل موجات حرارية لها تتردد و طول موجى يتناسب مع درجة حرارة السلك، و التى نلاحظها على هيئة تغير لون السلك و درجة حرارته .. و لو سخنا قضيب من الحديد فأن طاقة الترابط بين جزئياته تزداد فتجعل هذه الجزئيات تتنافر فيتمدد القضيب وبزيادة درجة الحرارة يتغير لونه، ويتحول إلى سائل عند درجة حرارة معينة ... و لو تركنا قطعة حديد فى الهواء الرطب فأننا نلاحظ بعد فترة تكون طبقة بنية اللون على الجزء المعرض للهواء، والتى هى أكسيد الحديد حيث تأكسدت قطعة الحديد ذلك لأن الحديد فلز نشط فى مستوى طاقة ذراته الأخير إلكترونين، وفى ظل ظروف درجة الحرارة العادية مع وجود الماء كشرط للتفاعل تتحد ذرة حديد مع ذرة أكسجين ذات الستة الكترونات فى مستوى طاقتها الأخير، مكونة ثانى أكسيد الحديد المعروف بصدأ الحديد وتتكرر هذه العملية فى كثير من الفلزات، فالصدأ ظاهرة طبيعية هى ناتج لتفاعل كيميائى، هذا التفاعل الذى يقوم أساسا على إكتساب أو فقد كمات الطاقة الكهرومغناطيسة (الفوتونات) من وإلى إلكترونات المستويات الأخيرة للطاقة فى ذرات العناصر المتفاعلة لتكون مستوى طاقة مشترك أو تستقل كل ذرة بمستواها فى حالة فك الارتباط بينهما أو كما يحدث فى المركبات العضوية والحيوية حيث من الممكن تحويلها لمركبات أخرى أو تحليلها لمركبات أو عناصر أخرى أو اتحادها بعناصر أو مركبات أخرى لتكون مركبات جديدة بمجرد التأثير فى طاقة وضع الذرات داخل جزئيات هذه المركبات وقد يحدث هذا فى درجات حرارة غاية فى التنوع من البرودة الشديدة إلى الحرارة العالية للغاية، و سواء كانت هذه مصادرها الغاية فى التنوع كحرارة النار أو ضوء الشمس أو الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء أو النشاط الاشعاعى لنوى الذرات المشعة أو حتى طاقة الترابط المنطلقة من عمليات التفاعل الكيميائى الأخرى أو حتى الحرارة أو الطاقة المنطلقة من عمليات الهدم والبناء فى الكائنات الحية إنك لو تركت قطعة مغناطيس فى وضع حر فأنها ستتجه على الفور بحيث يكون قطبها الشمالى فى مواجهة القطب الجنوبى للأرض و قطبها الشمالى فى مواجهة قطبها الجنوبى فى وضعه الحر، فلابد وأن يتجه كل قطب له إلى القطب المخالف له فى المجال المغناطيسى للأرض ذلك لأن للأرض مجالا مغناطيسى.ولكى نفهم عمليه الانعكاس فهما صحيحا فأننا لا يجب أن نفهم الكائنات بانها تؤثر تأثيراً واحداً و تتأثر بمؤثر واحد بل هى تتأثر بما لا حصر لها من المؤثرات و التى تشترك مع بعضها البعض فى أحداث التأثير الناتج فلو عدنا لمثل صدأ الحديد سنجد أن الأثر وهو صدأ الحديد لم يحدث فقط بمجرد توافر مؤثر واحد هو الأكسجين لأن هذا الأكسجين ما كان يمكن أن يؤكسد الحديد الا وهو فى حالته الغازية الحرة والا فى ظل وجود كائن مادى آخر هو الماء الموجود فى الهواء الجوى على شكل بخار ماء فضلاً عن كائن مادى آخر هو كمات الطاقة التى تشكل درجة حرارة الجو و بدون كل هذه العوامل ما كان للحديد أن يصدأ وما كان للتفاعل أن يتم.وكما أن هناك تطوراً فى أشكال الحركة يتناسب مع أنماط الكائنات المادية المتطورة من البسيط إلى المعقد، فإن هناك أشكالاً للانعكاس تتناسب مع هذه الأنماط، و قد عرفنا مما سبق أشكال الانعكاس الميكانيكية والطبيعية والكيميائية والمتناسبة أيضا مع أشكال الحركة، و آن لنا أن نعرف أشكال الانعكاس فى المادة الحية و الذى يتخذ أشكالاً مختلفة تتناسب مع درجة تطور الكائن الحى ففى الكائنات الحية البسيطة وحيدة الخلية فى يتواجد الانعكاس فى شكل القابلية للإثارة و فى الكائنات المتعددة الخلية الأكثر تطوراً يظهر الانعكاس فى شكل الاهتياجية، وفى الحيوانات الفقارية يظهر فى شكل الأنعكاس النفسى، والذى يصل لقمة رقيه فى الإنسان فى صورة وعى .حساسية الأجسام البروتينيه:ـتتمتع الأجسام البروتينية وهى أساس تكوين الكائنات الحية بليونة عظيمة والاستجابة الواسعة للمؤثرات الخارجية، حيث تستجيب لهذه المؤثرات بتغير خواصها الطبيعية والكيميائية عند انخفاض أو ارتفاع درجة الحرارة أو الرطوبة و الضوء وتحدث تأثيرات فى البنية الجزيئية والذرية لهذه الأجسام، فتبطىء أو تسرع التفاعلات الكيميائية والطبيعية حتى تستطيع التكيف مع المؤثرات الخارجية، وهى بذلك تستطيع تغير حجمها وشكلها وهذه القدرة مرتبطة بوجود أجزاء خاصة فى بنية الجسم البروتينى، وهذه الأجزاء هى جزيئات كيميائية ذات وظائف محددة، وهى تؤدى وظائفها من خلال عمليات التفاعل الكيميائى معتمدة على أشكال الفراغات بين الجزيئات.القابلية للإثارة لدى لكائنات الحية:ـالقابلية للإثارة هى رد فعل الحيوان أو النبات البسيط عند التأثير عليه بمؤثرات خارجية والتى هى إما مؤثرات طبيعية أو كيميائية أو مؤثرات كائن حى آخر فيستجيب لها استجابات معينة تتناسب مع نوع المؤثر، فارتفاع درجة حرارة الجو أو انخفاضها يكون لها تأثيرات معينة على الجزيئات البروتينية أو الحيوية التى تكون هذا الكائن مما يحدث فيها تغيرات معينة نتيجة هذا التأثر، والتى هى فى النهاية تفاعلات كيميائية وطبيعية تشكل رد فعل هذا الحيوان على المؤثرات الخارجية، الا أن حساسية الجسم البروتينى بالنسبة للقابلية للتأثر ليست سوى الشكل الكيميائى من أشكال الانعكاس، والذى بتطوره أدى لشكل آخر أكثر تعقداً هو القابلية للإثارة ، وهو يساعد الكائن الحى على التكيف مع ظروف البيئة المتغيرة، فنجد الكائن الحى يغير من مكانه أو ينشط أو يتوقف أو يغير من سرعة النمو و يتكاثر و يتحكم فى تبادل المواد مع البيئة،بتغير مؤثرات البيئة من حوله.. فأننا نجده إما يتقوقع حول نفسه عند تواجده فى بيئة غير مواتية مثلاً أو تنتهى فترة التقوقع عند توافر البيئة المواتية، فتزداد قابليته للتكاثر بالانقسام حول نفسه عند توافر الطعام، و مما يعنيه ذلك من زيادة قدرته على امتصاص مواد البيئة الخارجية من خلال فتحات جدار الخلايا و تحليل هذه المواد إلى عناصر أبسط من خلال عمليات الهدم التى تديرها الإنزيمات و إستخدام هذه العناصر فى عمليات البناء والتى تؤدى إلى تضخم الكائن الوحيد الخلية فينقسم حول نفسه..كما نستطيع أن نلاحظ هذه الاستجابة فى كائنات متعددة الخلايا كنبات عباد الشمس وهو نبات زهرى متطور حيث نجده يدير أوراقه تجاه الشمس ليستفيد بأكبر كمية من ضوء الشمس،أو نبات الست المستحية الذى يطوى أوراقه عند اقتراب اليد منها والتى سرعان ما تنفرد بمجرد ابتعاد اليد.والمسألة هنا مثل مسألة المغناطيس الذى لو علق حراً لتحرك بحيث يشير قطبه الشمالى للقطب الجنوبى للأرض، دونما أن يكون لقطعة المغناطيس عقلاً ما داخلها أو من خارجها، و لكن عقلها يكمن فى اتجاه لفوف إلكترونات ذرات المغناطيس فى اتجاه واحد، و هو الذى يسبب خاصيته المغناطيسية، كما أن قطعة حديد ليست مغناطيسية عند إمرار تيار كهربى فى سلك ملفوف عليها يحولها إلى مغناطيس لأن المجال الكهربى يؤثر على إلكترونيات ذرات قطعة الحديد و يجعل لفوفها إلكتروناتها فى اتجاه واحد، و بمجرد زوال التيار الكهربى تزول مغناطيسية قطعة الحديد .. وهى ظاهرة طبيعية كامنة فى طبيعة عباد الشمس شأنها فى ذلك شأن سقوط الحجر على الأرض بفعل الجاذبية المتبادلة فيما بين الأرض والحجر، الا أن هذا الشكل من الاستجابه يرتبط بخصائص الجزيئات الحيوية المعقدة المكونة للكائن الحى وتفاعلها مع عناصر البيئة الخارجية سواء أكانت مؤثرات طبيعية أو كيميائية أو ميكانيكية.إهتياجية الكائنات الحية الأكثر تطوراً :ـأن تطور الحياة و تعقدها ، أدى لتطور شكل الانعكاس إلى شكل أرقى هو الاهتياجية، وذلك عند الكائنات الحية متعددة الخلية التى تخصصت خلاياها، واصبحت عملية الانعكاس وظيفة عدد معين منها يتناسب تركيبها مع قدرتها على الاستجابة للمؤثرات الخارجية، و هى الخلايا العصبية المكونة للجهاز العصبى المسئول عن إدارة رد فعل الكائن الحى، وهذا الشكل الأرقى من الانعكاس يقوم فيه الجهاز العصبى بادراك المؤثرات الخارجية ونقل الإثارة إلى أجزاء الكائن الحى، والتى تستجيب لهذه الاثارة برد فعل مناسب لها، ونحن نلاحظ هذا النوع من الاهتياجية فى شتى الكائنات الحية متعددة الخلايا و التى توجد بها خلايا عصبية وهذه العملية فى الكائن الحى تعتمد على تفاعلات كيميائية كهربية، وذلك على النحو التالى.يتم تخليق المادة الناقلة للمعلومات المنقولة عبر الجهاز العصبى ، فى الخلية الحية من أقرب المواد شبها بها، و يتم ذلك عادة بواسطة انزيمات خاصة، كما يحدث هذا التخليق على خطوة واحدة أو على خطوات، و يتم نقل جزيئات المادة الناقلة للمعلومات من الجسم إلى نهائيات الأعصاب حيث تختزن هناك داخل حويصلات خاصة عند نقطة الاتصال بين الخلايا و تقوم الحويصلات بحماية جزيئات المادة الناقلة من فعل الانزيمات المختلفة التى تسبح فى سوائل الخلية والتى قد تدمر هذه الجزيئات، و تحتوى كل حويصلة من هذه الحويصلات على نحو 100000 من هذه الجزيئات، وعند وصول نبضة عصبية على هيئة إشارة كهربية إلى نهايات الأعصاب تقوم هذه باطلاق عدد هائل من أيونات الكالسيوم، و تؤدى هذه بدورها إلى إطلاق جزيئات المادة الناقلة فى الفراغ الواقع بين نقط إتصال الخلايا، وتندفع هذه الجزيئات سابحة فى الفضاء الخلوى المملوء بالسوائل والذى يقع بين طرف العصب، وبين غشاء الخلية العصبية التى ستتلقى النبضة أو الاشارة، و تتفاعل جزيئات المادة الناقلة مع بعض مواقع الاستقبال الموجودة بغشاء الخلية المستقبلة للنبضة، و بذلك تصل لارساله من خلية الأخرى .إذا فعملية الاحساس ونقل الرسائل و إختزانها هى عملية إنعكاس للكائنات الحية الأرقى فى مواجهة مؤثرات البيئة الخارجية، و ظواهرها المادية، و تعتمد فى النهاية على تفاعلات مادية داخل الكائن الحى نفسه، و تعتمد فى جوهرها على تفاعلات كيميائية كهربية، و بمزيد من التطور تطورت الخلايا العصبية فى الكائنات الحية الأدنى، إلى نشوء جهاز عصبى غير مركزى على شكل خلايا و عقد عصبية منتشرة فى جميع أنحاء الجسم مثل الأسفنج، و بمزيد من تطور الكائنات الحية أخذت تلتحم هذه الخلايا والعقد والأنسجة تدريجيا حتى كونت عقداً عصبية مرتبطة بالعصب الرئيسى الذى كون ما يسمى بالحبل العصبى مثل الديدان، وفى الحشرات مع الحبل العصبى تكونت تجمعات لخلايا عصبية فى رأس الحشرات فيما يشبة المخ، وهذا هو الجهاز العصبى فى الكائنات متعددة الخلية اللافقارية وغيرها، فبالتحام العقد العصبية تكونت المراكز العصبية والحبل الشوكى ثم فى مراحل أكثر تطوراً تكون الجهاز العصبى المركزى من مخ و نخاع شوكى و أعصاب وهو الجهاز الموجود فى الحيوانات الفقارية، و هى درجه أرقى من الكائنات الحية، و تتكون من خمس مجموعات هى من الأدنى للأرقى الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات، وهذه الأخيرة تتكون من عدة مجموعات فرعية على رأسها الرئيسيات، و هى القرود و القردة العليا و البشر و هم أرقاهم أما الانسان المعاصر فهو أرقى أنواع الجنس البشرى، و الذى وصل لديه هذا الجهاز لأرقى تطوره، وفى الحيوانات الفقارية فأن الحبل العصبى الرئيسى المسمى بالنخاع الشوكى تمت حمايته بوجوده فى العمود الفقرى المميز لتلك الحيوانات، كما تتواجد المخ داخل علبة الجمجمة العظمية، ... وبالطبع فان تحكم الجهاز العصبى وتحكمه فى الجهاز الحركى للكائن الحى من عظام وعضلات وغضاريف وأوتار وخلافه من الحقائق الثابته علميا، وان أى خلل فى هذا الجهاز يؤدى إلى عجز فى عمل الجهاز الحركى أو شلل أو فقد العضو وظيفته، وبالتالى يصبح العضو عاجزاً عن الاستجابة لمؤثرات الواقع المحيطة به.الأنعكاس النفسى عند الكائنات الحيه ذات الجهاز العصبى المركزى :مع الجهاز العصبى المركزى الموجود فى الفقاريات، وصلنا إلى أرقى أشكال الانعكاس فى المادة، و هو الانعكاس النفسى، فإذا كانت الكائنات الحية فى المراحل الأدنى من التطور تستجيب فقط للمؤثرات الخارجية المرتبطة بنشاطها وحاجيتها الحيوية، الا أن الانعكاس النفسى هو الاستجابة للمؤثرات الخارجية التى ليس لها أهمية فى حد ذاتها للكائن الحى .. وهذا الشكل الراقى من الانعكاس نشأ نتيجة تعقد الجهاز العصبى واكتسابه قدرات نوعية أكثر رقيا و تعقداً فاصبحت الكائنات الحية ترى ما لا تحتاج لرؤيته حيث اصبح لأعينها القدرة على تلقى المنبهات الضوئية على الشبكية، و نقلها عبر العصب البصرى للمخ.... و يتوقف مدى الرؤية و درجة وضوحها على مدى ما تستطيع العين رؤيته من موجات ضوئية و أصبحت حلمات اللسان قادرة على الاحساس بكافة صنوف الطعام حتى و لو لم تكن فى حاجة إلى الطعام، و خلايا الشم الموجودة على السطح الداخلى للأنف لديها القدرة على التمييز بين شتى الروائح التى هى جزيئات مادية طيارة تلتقى بخلايا الشم فيحدث الانعكاس الذى يتم نقله للمخ و تستطيع طبلة الأذن نقل تضاغطات وتخلخلات الهواء الناتج عن حركة مصدر الصوت المتذبذبة إلى العصب السمعى و منه للمخ، وتستجيب خلايا جلد الكائن الحى لمؤثرات البيئة الخارجية من حرارة و برودة و خلافه و هكذا للتأكيد على ان عمليات الاحساس فى الكائن الحى ما هى الا عمليات بيولوجية و أن الربط بينها هو الذى يولد الانعكاس النفسى الأرقى ناتجة عن تفاعلات كهروكيميائية معقدة أصبحت مسئولية جهاز متخصص من الخلايا والأنسجة العصبية.الكائنات الحية تحدث تحولاً فى الطبيعة الفيزيائية لمؤثرات البيئة الخارجية، فأعضاء جسد المرء تحس بالحرارة الخارجية ليس بوصفها حرارة، و إنما بوصفها تغيراً فى تركيز السكر فى الدم، وعندما يبصر المرء أو يسمع كلبا فإن الفوتون وهو وحدة الكم الضوئية التي تثير عين المرء، و الأصوات التى تثير أذنه تحس بها الأعضاء الداخلية للمرء فى شكل تغير فى تركيز الأدرنالين فى الدم ، وتحسب أن تأثير صورة الكلب نفسه لدى كلب آخر يختلف تماما عنه فى الأنسان، كما تختلف صورة الإنسان فى تأثيرها فى إنسان آخر عن تأثيرها لدى الكلب.برغم أن الأساس المادى واحد، وهو تغيير تأثير الأدرنالين فى الدم.و بينما القابلية للاثارة أو الاهتياجية هى إنعكاسات غير شرطية أى أنها ردود فعل استجابية يقوم بها الكائن الحى تحت تأثير العوامل البيولوجية المباشرة، و التى تنشأ خلال عمليات الارتقاء فى الكائنات الحية فى نوع معين وبعد ذلك يتم تثبيتها كسلوك فطرى للكائن الحى من خلال الوراثة من جيل إلى آخر مثل افراز اللعاب عند الحيوانات عند تناول الغذاء، فإن هناك إنعكاسات شرطية أكثر تعقداً تدعى بالغرائز.كل هذه الانعكاسات سالفة الذكر هى مجرد انعكاسات بيولوجية ناتجة عن العلاقة بين الكائن الحى والبيئة و هى عباره عن تفاعلات طبيعية وكيميائية وميكانيكية استطاع الإنسان تقليدها فى اختراعاته المختلفة مثل التصنت والتصوير ونقل الصوت والصورة و تسجيلهم والتحكم الاوتوماتيكى المباشر وغير المباشر بل وأن الكثير من الأدوية التى تؤثر فى مدى أداء الكائن الحى لهذه العمليات ما هى إلا مواد كيميائية تؤثر فى هذه التفاعلات مما يؤكد طبيعتها المادية لا الروحية .الأنعكاس الشرطىالأفعال الانعكاسية المشروطة هى شكل أكثر تعقيداً لوظائف الجهاز العصبى فهى انعكاسات ذاتية فردية يكتسبها الكائن الحى أثناء تأديته لوظائفه اليومية على أساس من الأفعال الانعكاسيه غير المشروطة .. وتعتبر الأفعال الانعكاسية المشروطة من أهم و أرقى الوسائل التى يستطيع بها الكائن الحى التكيف مع الوسط الذى يعيش فيه ... فالسلوك المعقد للحيوانات الراقية أساسه عبارة عن مجموعة من الأفعال الانعكاسية المشروطة التى تتكون فى أثناء حياتها وتعتبر الغرائز من الصفات المعقدة للحيوانات و هى ضرورية للمحافظة على حياتها الخاصة، و على النوع كله و هى ليست كما قد يخيل لنا من أول وهلة ظاهرة غير مفهومة أو لغز ليس له حل، فالغرائز جميعها من أبسطها حتى أكثرها تعقداً تطورت عن الأفعال الانعكاسية غير المشروطة، التى تثبت بالوراثة أثناء عمليه التطور .و الآن علينا أن نفهم ما هو الانعكاس الشرطى الذى هو أساس الانعكاس النفس وهو أرقى أشكال الانعكاس، وهو الذى يعطى الحيوان المتطور الذى يملك جهاز عصبى مركزى القدرة على التكيف مع البيئة من خلال الحساسية العالية لكل المظاهر الحيوية بالنسبة له أو غير الحيوية.إن الانعكاس الشرطى أساسه أن الوسط المحيط بالكائن الحى ليس مقصوراً فحسب على المؤثرات ذات الأهمية الحيوية له، وانما على الكثير من المؤثرات التى ليس لها أهمية فى حد ذاتها، و تقوم صلات بين المؤثرات ذات الأهمية الحيوية و غيرها تزداد بزيادة درجة تطور الكائن الحى ويحدث الانعكاس الشرطى عند توافق مؤثر له أهمية حيوية، و مؤثر آخر ليس له أهمية حيوية، و إذا تكرر هذا التوافق لعدة مرات كافية، فأنه يصبح كافيا وجود العامل الثانى وحده دون وجود العامل الأول لكى يظهر لدى الحيوان رد الفعل الذى يثيره لديه العامل الاول المتمتع بأهميه حيوية مباشرة بالنسبة إليه ..والتجربة الشهيرة التى أدت لهذا الاكتشاف هى تعمد اطعام كلب معين فى نفس اللحظة التى يرن فيها جرس معين بنغمة محددة و مكررة، و بعد فترة من اعتياد الكلب على تناول الطعام عند سماعه لصوت الجرس يسيل لعاب الكلب لمجرد سماع رنين الجرس بدون حتى إحضار الطعام، وحتى و لو لم يكن الكلب جائعا برغم ان صوت الجرس ليس له أهمية حيوية بالنسبة للكلب، إلا إنه ارتبط بحاجة حيوية هى الطعام فقد تكون ارتباط بين مناطق الاثارة للسمع فى مخ للكلب ، و مناطق الاثارة للجوع فى مخ الكلب أدت لظهور اشارة هى نتيجة هذا الارتباط بين المنطقتين، فما يثير منطقة يثير الأخرى، فيصبح الجوع عند الكلب مؤثر فى حد ذاته فى منطقة السمع عنده، فيتذكر صوت الجرس حتى و لو لم يرن، و هذا هو الأساس المادى للانعكاس النفسى ..كان نمو جهاز الاشارات الأول او الانعكاس النفسى أو ما يسمى بالارتباط الشرطى، و هى كلها متردافات لمعنى واحد أدى إلى ظهور الظواهر النفسية لدى الكائنات الحية، و التى يسببها التغير النوعى للجهاز العصبى نتيجة تعقد تركيبه.فالمنعكس الشرطى مرتبط بالطريقه التى يؤدى بها المخ وظيفته بأعتباره جهاز معقد لاستقبال الاشارات الكهروكيميائية، وإرسال الاشارات الكهروكيميائية، و التى تتحكم فى ردود فعل الكائن الحى من حركية و غير حركية، و هو يشبه فى عمله جهاز كومبيوتر ضخم لاستقبال إشارات معينة بالمعلومات، التى يختزنها فى الذاكرة و تحليل هذه الاشارات و ربطها ببعضها، وارسال اشارات معينة للتحكم، و هو كل ما يفعله الكومبيوتر بالفعل مثله فى ذلك مثل المخ أو الجهاز العصبى المركزى، و نستطيع ان نقول إنه يشبه فى عمله هذا سنترال التليفونات من إرسال و إستقبال، و قد أعطى هذا له القدرة على الربط بين الظواهر المختلفة المحيطة به، و التى من خلالها يستجيب و يطور جهاز الاشارة الأول الذى هو نتيجة للانعكاس النفسى.أخذ الانعكاس النفسى يتطور فى الكائنات الحية الراقية ذات الجهاز العصبى المركزى والتى أصبحت تمتلك جهاز للاشارات لنقل المعلومات فيما بينها، و الذى أخذ يزداد تعقداً كلما صعدنا فى سلم التطور، حتى أصبحت الرئيسيات تمتلك قدرات أعلى للانعكاس النفسى، ومفردات أكبر من الاشارات التى تتيح لها فرصة أعلى للتكيف مع البيئة. إلا أن الانعكاس النفسى نفسه صاحب تاريخ تطورى بتطور الجهاز العصبى المركزى لدى الفقاريات، فهو بدائى فى الأسماك والبرمائيات والزواحف، إلا أنه ارتقى عند الطيور والثدييات لحد كبير، وهو أرقى لدى الرئيسيات.ويمتلك الإنسان باعتباره أرقى الرئيسيات أرقى جهاز للاشارات الأول، وأعقد اأرقى أشكال الانعكاس النفس، وبالطبع فإن تطور المخ، و تعقده كان يتماشى مع هذا التطور ... فبالوصول بالتطور للمخ البشرى وصلنا لأرقى جهاز عصبى مركزى لأرقى حيوان، و الذى هو المادة رفيعة التنظيم الذى أصبحت تؤدى وظيفتها، و هى عكس الواقع فى صورة وعى باعتباره أرقى أشكال الأنعكاس النفسى .فالإنسان بالإضافة إلى امتلاكه قدرات ما قبله من حيوانات، الا انه يملك ما يميزه عنها جميعا و الذى لا يتواجد إلا من خلال جهازه العصبى المتطور هو وحده ألا وهو الوعى، و الذى يتجسد فى الجهاز الثانى للاشارات الذى ينفرد به الانسان من دون كل الكائنات الحية .. هذا الجهاز هو اللغة البشرية، و التى تختلف عن ما يقال لها لغات الحيوانات و النباتات مجازاً، والتى هى مجرد مفردات متنوعة لجهاز الإشارات الأول، والتى تتنوع من مجرد أصوات أو مقاطع صوتية أو روائح عند الكثير من الحيوانات، أو حركات معينة بالوجه أو الأطراف أو سائر أطراف الجسد عند أخرى تعبر بها تلك الحيوانات عن إحتياجتها و مخاوفها ومشاهدتها و غزائزها و رغباتها و مشاعرها النفسية المختلفة، و للتفاهم مع غيرها من الكائنات، و هى ترتبط فحسب بتلبية الغرائز الطبيعية والحاجيات الحيوية للكائن الحى . و تلك اللغات أو الجهاز الأول للإشارات لا علاقه لها بالوعى باعتباره متميزاً عن المادة، و خاصية مميزة للمخ البشرى باعتباره المادة الرفيعة التنظيم، والتى أكتسبت بفضل هذا التنظيم المعقد هذه الخاصية .. أما اللغة البشرية أو الجهاز الثانى للإشارات فقد جسدت الوعى ماديا، وعبرت عنه من خلال رموزها الأكثر غنى وثراء والأكبر بما لايقاس والمتميزة عما يقال لها لغات الحيوانات مجازاً، فاللغة البشرية هى وسيلة لحفظ هذا الوعى، و إنتقاله من إنسان لإنسان آخر، و من جيل إنسانى لجيل إنسانى لجيل آخر، والتعبير عن الأفكار والأحاسيس والمشاعر المرتبطة بالغرائز الحيوية و العواطف و القيم و المعارف و الحاجات الاجتماعية و الإنسانية المختلفة .أما كيف حدث هذا التطور فهو ما يمكن أن نعرفه من خلال حقيقة تطور الإنسان المعاصر فقد بدأ أسلاف الإنسان العاقل من البشر أشباه القرود العليا، يستخدمون عناصر من الطبيعة لتلبية إحتياجتهم البيولوجية كالعصى لاسقاط الثمار من على الأشجار، والأحجار لصيد الحيوانات، و هذه العمليات تمارسها القرود والقردة العليا بشكل عام، و كانت هذه العمليات فى البداية تحدث مصادفة كأن يحدث أن قرداً ما حاول أن يقطف ثمرة من على شجرة موجودة فى مكان لا تطوله يده، و تصادف إمساكه بعصا طالت هذه الثمرة، و أسقطتها وكانت من نتيجة ذلك إشباع حاجة حيوية بالنسبة له، فأرتبط فعل إمساك العصا، وإسقاط الثمرة بهذه الحاجة البيولوجية مما أحدث إنعكاسا نفسيا شرطيا عند القرد فأخذ يستخدم العصا كلما حاول إسقاط الثمار من على الأشجار، وقد أخذ هذا الانعكاس يتطور بمرور الوقت، وتتعقد معه بنية المخ البشرى، وتزداد قدراته و ووظائفه عمقا و تنوعا، ليتلائم مع الخبرات المستجدة وأخذت كل هذه القدرات و الامكانيات تنتقل من جيل إلى جيل بالوراثه حتى وصلنا إلى المخ البشرى بقدراته المعروفة على خلق الوعى.وأخذ الجسد الإنسانى يأخذ شكله الحالى عندما أخذ أسلافه من البشر أشباه القرود يتطورون من خلال الطفرات الوراثية والتراكمات من التغيرات التى تنتقل عبر الوراثة إلى أن وصلوا إلى شكلهم الحالى ... فقد أخذت إيديهم من خلال ممارسة العمل تزداد مرونة و مهارة و تزداد قدرتها على الامساك بالأشياء، والتحكم فيها والتأثير عليها وتغيرها بشحذ الأحجار و تهذيب العصى والعظام ... الخ، و أخذت الأعين تتركز فى منتصف الجبهة فتزداد قدرتها على الرؤية الجيدة، و التمييز بين الأشياء فى أحجامها وأدواتها ودرجة صقلها وخشونتها و لمعانها، وإن لم تكن فى حدة إبصار بعض الحيوانات التى تفتقد برغم هذا التفوق القدرات المختلفة للعين البشرية، و أخذت الجمجمة تتشكل بحيث تتسع لحجم المخ المتنامى، وذلك بضعف الفك وصغر نموه، بعكس الفك الضخم القوى الذى يعوق نمو المخ لدى القردة العليا، فتضاءل حجم الفكين أدى لاتساع الفراغ الخاص بالمخ بالنسبة للجمجمة فأخذت الجبهة تستقيم لتستوعب كبر حجم المخ ... وأخذت القامة تنتصب، و أخذ يخف الشعر من على الجسد، و تقصر الأذرع بعد ما فقدت وظيفتها فى تسلق الأشجار، والتى تركها البشر أشباه القرود .. وأخذت هذه الطفرات و التغيرات الطفيفة تنتقل عبر الأجيال من خلال الوراثة، و أخذ الإنسان المعاصر و أسلافه الأقربين من البشر أمثال إنسان كل من نايندرتال وبكين وجاوة والإنسان الكرومانيونى خطا مميزاً عن باقى الكائنات الحية وذلك بما حققه من تطور وقدرات أعلى على التكيف مع البيئة والتأثير فيها فاستطاع الانتقال من الغابة الكثيفة إلى مناطق أخرى تختلف مناخا وتضاريس ونباتات وحيوانات وظروف بيئية مختلفة شديدة التنوع حتى أخذت أشكاله الحديثة تتشكل منذ ما يقرب من 25 ألف عام حتى يلائم كل هذه البيئات المتنوعة، و فقد الكثير من المظاهر الخارجية التى كانت لا تميزه عن الكثير من القردة العليا وهى الغوريللا والشمبانزى والجيبون وإنسان الغابة.و كل هذا جعل تأثيره على البيئة من خلال أدوات العمل التى كان ينتقيها مصادفة فى بادىء الأمر تم عمداً تم بدأ فى تشكيلها . بحيث تحقق أغراضها على وجه أفضل حتى أصبحت سلوكا عاما لديه وخبرة تنتقل من خلال الوراثة و إشارات الجهاز الأول .. وكلما زادت الخبرات و الارتباطات الشرطية بين ما يعكسه المخ البشرى من ظواهر الواقع المختلفة و تلبية إحتياجته البشرية و ما أدى إليه هذا من تطوير جهاز الاشارات و الذى ساعد على زيادة تطور المخ و قدرته على القيام بوظائف أعقد حتى أصبح لديه القدرة على صنع أدوات العمل مما يلاقاه فى الطبيعة من خامات معدنية أو خشبية أو حيوانية بدلاً من البحث عن هذه الأدوات فى الطبيعة و ذلك بتحوير ما يجده فى الطبيعة من أحجار وعصى وأعشاب وجلود وعظام وهذا أدى لمزيد من التطور والتعقد أدى فى النهاية لتطوير النشاط الانعكاسى الذى يلبى الحاجات البيولوجيه إلى نشاط واعى يهدف للتأثير على البيئة بواسطة أدوات العمل التى يصنعها الإنسان الشبيه بالقرد أو أسلافنا من البشر والتى أخذت تتطور لأنواع أكثر تطوراً ورقيا تدريجيا حتى وصلت للإنسان المعاصر.الا إن هذه العمليات الجديدة على عالم الحيوان أخذت تفرض الاتصال بين أشباه القرود هؤلاء، وأخذت العلاقات تتطور فيما بينهم حتى تحولت لعلاقات إجتماعية فيما بينهم أى أنهم كونوا مجتمعا بشريا تجسيد لهذه العلاقات والذى أنحدر من قطعان أشباه القرود، وأخذ هذا المجتمع يتطور بشكل مستقل عن إراداتهم و وعيهم حيث يتحكم فى هذه العلاقات، وهذا التطور ضرورة الإنتاج الجماعى للحاجات المادية والنفسية فى هذا المجتمع حيث يستحيل تلبيتها بشكل فردى و إشباعها بشكل فردى، و بذلك تكون لدينا أرقى أشكال الوجود المادى المعروفة لدينا حتى الآن، و تعتبر الحركه الاجتماعية أرقى أشكال الحركة، و أكثرها تعقداً، وأن هذا الشكل المعقد من الوجود المادى، أخذ يعكس بدوره المؤثرات الخارجية فى عقول أفراده فى شكل وعى إجتماعى الا إن هذا كله ما سوف نؤجل الحديث عنه ... وحيث أن العلاقات الاجتماعيه و أهمها علاقات الإنتاج هى التى شكلت المجتمع البشرى الذى ساعد على المزيد من التطور فقد كان هذا المجتمع فى حاجة لوسيلة اتصال بين أفراده تتجاوز الجهاز الإشارى الأول الذى لم يصبح متلائما مع درجة التطور التى وصل إليها الإنسان فقط كان الشرط الضرورى لهذه الوسيلة هى تلبية إحتياجتهم فى التعبير عن وعيهم و بذلك يستطيعون من خلالها أن يؤدى كل فرد دوره فى العلاقات الاجتماعية المختلفة.فالعمل المشترك وما يفرضه من ضرورة التنسيق والتقسيم وتحديد الأهداف و الوسائل و تبادل الأراء لم يعد يكفيه جهاز الاشارات الأول ولذلك كان لابد من تجسيد المرحلة الجديدة من الانعكاس النفسى ألا و هو الوعى فى شكل جهاز الاشارات الثانى .جهاز الاشارات الثانى أو اللغةحين التقى البشر فى العمل المشترك كالصيد الجماعى لوحوش الغابة أو الدفاع عن القطيع البشرى الذى أخذ يتحول لمجتمع أو مواجهة الأخطار الطبيعية المحيطة بهم .. الخ الخ فأنهم أخذوا يرمزون للظواهر المختلفة و الأشياء و العمليات من حولهم بأصوات معينة و مع تطور الجهاز الصوتى من حنجرة وفم و أسنان و جيوب أنفية و لسان و الذى اكتسب بمرور الوقت القدرة على تنغيم الأصوات و تحريكها و نطق أعداد متنوعه منها يستطيع الجهاز الصوتى الحالى للإنسان المعاصر إصدار 200 صوت على الأقل ) والتى أخذ يركبها فى مقاطع صوتية كلما زادت الحاجة إلى مزيد من المفردات بزيادة الظواهر والأشياء والعمليات التى يحسها الإنسان ويرغب فى التعبير عنها وبمزيد من التطور أخذت المقاطع الصوتية لا تكفى للتعبير فقط ولذلك فقد تطور الجهاز إلى الكلمات وهى البنية الأساسية للغة و أخذوا يستخدمون هذا كله للتعبير عن ما هو هام فى حد ذاته لحاجتهم البيولوجية من طعام وشراب ونوم وجنس و لما ليس له أهمية فى حد ذاته لحاجتهم البيولوجية والذى تولد لديهم نتيجة الارتباط الشرطى والذى كون لديهم الانعكاس النفسى ... وقد أخذت هذه الرموز التى تجسد هذا الانعكاس فى شكله الارقى تحل ما تعبر عنه فى عقولهم فذكر الطعام ككلمة يذكرك بحاجتك للطعام وقد تشعر بالجوع عند مجرد سماعك لحديث عن الطعام وهكذا ... وأخذوا يستجيبون للكلمات كما يستجيبون لما تعبر عنه مثل إستجابه الكلب لرنين الجرس فى المثال السابق ومن خلال اللغه وإستعمالها عكس الناس الواقع المادى فى عقولهم فى شكل صور مجردة عن المادة... صور مثالية متميزة عن المادة .

موجز تاريخ المادة والوعى(10) تطور الكائنات الحية

موجز تاريخ المادة والوعى(10) تطور الكائنات الحية
سامح سعيد عبود
أخذت الكائنات الحية فى التطور من كائن حى إلى كائن آخر خلال ملايين من السنين، بحيث يفنى الكائن الحى العاجز عن البقاء ، و يبقى القادر على التكيف مع ظروف البيئة ، و أخذت تنقل التغيرات الطفيفة التى تحدث فى الجيل الأكثر تكيفا مع البيئة للأجيال الأخرى من خلال العوامل الوارثية ، وهكذا حدث التطور نتيجة عاملين هما التكيف مع ظروف البيئة المحيطة ، والثانى هو الطفرات الوراثية التى تحدث فى أحد الأفراد ليتم نقلها لأجيال جديدة، كل ذلك عبر فترة طويلة جدا،ً وببطء شديد جداً، أخذ ما يقرب من 3.5 مليار سنة على الأقل. كان تطور الأنواع يجري باتجاه محدد و بسبب محدد هو التكيف مع ظروف البيئة المتغيرة، ومن ثم كان البقاء دائما لمن يتكيف مع ظروف البيئة المتغيرة أفضل من غيره، والانقراض كان نصيب من لم يستطع هذا التكيف، ولا يحدث التطور لدى نوع من الأنواع طالما اختفى الدافع له، فتطوُّر الحصان من أسلاف الحصان الحالى و المفضي إلى تكون أصبع وحيد بدلا من خمسة، لا يستطيع أن يقطع شوطًا أبعد في هذا الاتجاه طالما ظل الحصان متكيفا مع بيئته، و لايوجد ما يهدد بقاءه. تواجد على الأرض و عبر تاريخها كثيرا من الكائنات من نفس النوع لا تقوى على الاستمرار و من ثم لم يبقى إلا الأصلح للبقاء. و بمرور الوقت حدث اندثار للكائنات التى لا تستطيع أن تتوافق مع متغيرات البيئة مثلما حدث للزواحف الضخمة كالديناصورات والثدييات الضخمة كالماموث .مما يؤكد أن البقاء ليس للأقوى، ولكن البقاء للأصلح و الأكثر توائما مع ظروف البيئة. ومما يدلنا على وجود هذه الكائنات التى انقرضت ما تركته هذه الكائنات من آثار أو بقايا فى الصخور وهو ما يسمى بالحفريات. فالتطور ليست عملية حتمية ميكانيكية تحدث من مرحلة لمرحلة لكل الكائنات الحية، كما يظن البعض من رافضى نظرية التطور، فنتوقع وفق رؤيتهم الساذجة أن كل بكتيريا لابد و أن تتحول يوما لإنسان، أو أن نتصور القرود وقد تطورت كلها لبشر مثلا، فمازالت المملكتين الحيوانية والنباتية تزخر بمئات الأنواع التى لم يجر عليها أى تطور منذ ملايين السنين كونها متكيفة تماما مع بيئتها، و لا يوجد أى تغير فى البيئة يدفعها للتطور، وتنقرض مئات الأنواع من الكائنات الحية أمام أعيننا لأنها أصبحت تواجه صعوبات للتكيف مع البيئة المتغيرة ، وتظهر أنواع جديدة من الكائنات الحية أكثر توائما مع البيئة. و قد يحدث التطور بتراكم التغيرات من جيل إلى آخر على نحو غير ملحوظ إلى أن يتحول هذا التغير الكمى غير الملحوظ، لتغير كيفى من كائن حى لكائن آخر، فبظل يخف وجود الشعر من على الجلد تدريجيا من جيل الأباء إلى جيل الأبناء، حتى يظهر جيل يخلوا تماما من الشعر على جلده. وقد يحدث التطور بأن تظهر طفرات وراثية فى أحد الأفراد فجأة يكون أكثر تكيفا مع البيئة ، فأسلاف الزراف الحالى و كانوا قصيرى الرقبة تواجدوا فى بيئة أصبح الوصول فيها للطعام أصعب كلما اقتربوا من الأرض ، فظهرت لدى بعضهم رقاب أطول نتيجة الطفرة الوراثية أعطتهم القدرة على الوصول لأوراق الشجر بدرجة أكفأ من قصيرى الرقبة الذين لم يتمكنوا من الوصول للطعام بنفس كفاءة طويلى الرقبة، وهؤلاء كانت فرصهم فى البقاء أعلى، وفرصهم فى توريث صفاتهم الوراثية أكثر فانقرض أسلاف الزراف قصيرى الرقبة، وبقى الزراف الحالى طويل الرقبة، ومن ثم يكون الأكثر قدرة على البقاء فى ظل ظروف البيئة الجديدة، يكون الأقدر على توريث هذه الصفة للأجيال اللاحقة، فى حين ينقرض من لا يحمل هذه الصفة الوراثية الجديدة، لأنه أقل تكيفا مع ظروف البيئة، ومن ثم لن تنتقل صفاته القديمة للأجيال اللاحقة.ربما نرى فى أنفسنا أفضل الحيوانات وأرقاها،و هذا صحيح فيما يتعلق بما نتميز به فعلا وهو الذكاء ومهارة اليد و اكتمال الرؤية وغيرها،إلا أننا نفتقد الكثير من القدرات الأخرى أو لا نملك منها بأكر مما هم أدنى فى التطور، فنحن لسنا فى سرعة الفهود ولا قوة نظرنا كالصقور و لانستطيع الشم كالكلاب .. ذلك لأن التطور لا يسير نحو النموذج الإنسانى العاقل باعتباره الأرقى، و لكنه يسير نحو امتلاك وسائل للبقاء أكثر توائما مع البيئة، فتطورت لدى أسلاف الفهد إمكانيات جسدية منحتهم تلك السرعة الخارقة للوصول للفرائس والانقضاض عليها، كما تطورت لدى أسلاف الصقور حدة النظر ليروا فرائسهم من فوق السحاب، و تطورت لدى أسلاف الكلاب حدة الشم ليتعرفوا على فرائسهم من عدة أميال،أما أسلافنا من الذين لم يملكوا تلك الإمكانيات فقد تطوروا من أجل التكيف مع البيئة،ولكنهم بدلا من القوة البدنية والسرعة و حدة الحواس و غيرها،أخذوا يملكون مهارات ذكاء أعلى مكنتهم من السيطرة على من هم أقوى منهم حتى استأنسوا بعضهم كالثيران والكلاب، وكان هذا هو الطريق الذى سار فيه أسلاف البشر حتى وصلوا للإنسان العاقل.كان من نتيجة التطور أن وصلت الحياة إلى هذا القدر العالى من التنوع ، من نباتات وحيوانات وحيدة الخلية ومتعددة الخلية .. ونباتات متعددة الخلية زهرية و لا زهرية ، وحيوانات متعددة الخلية فقارية و حيوانات لا فقارية، و تنوع كل هذه الكائنات الموجودة على الأرض حاليا وصل إلى أكثر من مليون ونصف مليون من أنواع الحيوانات و أكثر من مليون من أنواع النباتات ، إلا أن هناك ملايين الأنواع الأخرى قد انقرضت مع الزمن لكن بعضها النادر كون حفريات تدل على أنها كانت موجودة فى أزمنة سابقة، و يقف على قمة المملكة الحيوانية الجنس البشرى باعتباره نوع من الرئيسيات المكونة من القردة والقردة العليا والبشر ، وأخيراً فان الانسان العاقل المعاصر هو أرقى أنواع الجنس البشرى .يعتقد العلماء أن أول خلية حية ظهرت على الأرض ترجع إلى حوالى 3.5-4 مليار سنة وهى خلية البكتيريا الأولية، و لا يحتوى هذا النوع من الخلايا على نواة، وبالتالى فهى لا تنقسم كالخلايا ذات الأنوية الحقيقية. ويرجع تاريخ أول خلية حقيقية النواة و تنقسم إلى حوالى مليار سنة ثم تطورت الحياة الى كائنات متعددة الخلايا من 700 مليون سنة تقريبا و أمثلتها الديدان والمفصليات والحشرات والعناكب، ويرجع ظهور الكائنات ذات العمود الفقرى الفقاريات إلى حوالى 450 مليون سنـة وكان أول ما ظهر منها الأسماك، ثم ظهرت البرمائيات ومن أمثلتها الضفادع من 400 مليون سنة تقريبا، وظهرت الزواحف من 350 مليـون سنة ومن أمثلتها التماسيح والسلاحف، ثم ظهرت الطيور متطورة عن الزواحف، ثم الثدييـات ذات المشيمة ( التي تلد ) متطورة عن الزواحف أيضا من 240 مليون سنة . ثم الثدييات الراقية مثل القردة بكافة أنواعها فقد ظهرت من 100 مليون سنة ثم ظهرت أشباه الإنسان من 6 مليون سنة تقريباً . هذا ملخص موجز للغاية للتفسيرات العلمية لكيفية نشوء الحياة وارتقاءها، ، أما الأهم فهو ان وصول الحياة إلى هذا القدر من التعقد والانتظام الدقيق لم ينشأ فجأة و بمعجزة ما ، أو كيفما اتفق ، وإنما عبر عمليات طبيعية تماما ، وعبر الملائمة والتكيف مع الظروف المتغيرة للبيئة ، والانتخاب الطبيعى و الطفرات التى تحدث فى العوامل الوراثية التى تنقل الصفات الوراثية. وتراكم التغيرات الطفيفة عبر الزمن من جيل لآخر و التى تنتقل عبر الوراثة من جيل لجيل.و بشكل عام يؤدي التطور لظهور ميزات جديدة و متجددة من جيل لأخر ، تؤدي في النهاية إلى تغيير و تحسين كافة مواصفات النوع قيد التطور مما يؤدي إلى نشوء نوع جديد من الكائنات الحية . ان التطور يحدث وفق ظهور ميزة قابلة للتوريث تؤدي إلى زيادة فرصة بعض الأفراد الحاملين لهذه الميزة بالتكاثر أكثر من الأفراد الذين لا يحملونها. ضمن مجموعة من الكائنات الحية على امتداد أجيال متعاقبة ، كما يحدث التطور نتيجة التغيرات في المورثات أو الجينات و مفردها الجين و هي الوحدات الأساسية للوراثة في الكائنات الحية .فضمن هذه المورثات أو الجينات يتم تشفير المعلومات المهمة للوظائف العضوية للكائن الحى. فإن هذه المورثات أو الجينات هي من تحدد تطور و سلوكيات هذه الكائن الحى. كلون الشعر والبشرة والعيون و الاستعداد لبعض الأمراض الوراثية، بل و حتى الميول النفسية والقدرات العقلية و الغرائز، فمعظم الفوارق بين الأفراد الشكلية والسلوكية والعقلية في صفات الجنس الواحد يعزى للفوارق في المورثات أو الجينات التي يحملها هؤلاء الأفراد . وإن كان هذا لا ينفى دور البيئة والظروف الاجتماعية على قدرات وسلوكيات الأفراد، فالبيئة قد تعمل على تعزيز تأثير جين معين أو اضعاف تأثيره، فتأثير جين الذكاء مثلا لدى إنسان لم تتح له فرصة التعليم سيكون أقل كثيرا فى تأثيره بالمقارنة مع تأثير نفس الجين لدى إنسان اتيحت له فرص التعلم، بل أن الشفرة الوراثية نفسها تتغير عبر الأجيال عند بعض الأفراد ، وهؤلاء من يكونوا أكثر تكيفا مع البيئة، وهؤلاء هم الأكثر قدرة على البقاء من غير المتكيفين مع البيئة، وهؤلاء المتكيفون مع البيئة هم الأكثر قدرة على توريث صفاتهم الوراثية الجديدة للأجيال اللاحقة.والظاهرة الجديرة بالذكر هنا،هى أنه لا يوجد تطابق مطلق بنسبة مئة بالمئة فى كل صفات أفراد نفس الجيل حتى ولو كانوا تؤائم متطابقة، إذ أن كل فرد يختلف عن الأخر ولو فى بعض الصفات الثانوية، و هو الذى يؤدى فى النهاية للتنوع بين الكائنات الحية بمرور الوقت.فالمورثة أو الجين و هى فى النهاية جزىء كيميائى يمثل قطعة من احدى سلسلتي الحمض النووى الديبوزى و هى تحتل موضعا معينا على هذه السلسلة، و تحدد المورثة أو الجين بعدد الذرات والجزيئات الداخلة في تركيبها و نوعها و ترتيبه ، و المورثة أو الجين يمكن أن نعتبرها جملة أو كلمة تتشكل من تراتب معين للحروف الأربعة لأبجدية لغة الوراثة، وهي قابلة للتغير نتيجة الطفرات الوراثية كما وسبق وأشرنا، فأى تغيير ولو طفيف للغاية فى عدد الذرات و الجزيئات وترتيبها و أنواعها وفق لقانون البنائية يمكن أن يغير خواصها بأدنى التغيرات الفراغية،مما يؤدى لتغيير حروف وكلمات وجمل الشفرة الوراثية، وهذا أمر وارد حتى فى التوائم المتطابقة، وغير المتطابقة ، وفى أخوة الجيل الواحد وبالطبع عبر الأجيال.تنتقل المادة الوراثية من جيل لآخر ، خلال عملية التكاثر بحيث يكتسب كل فرد جديد نصف مورثاته من أحد والديه و النصف الآخر من الوالد الآخر فى الكائنات التى تعتمد على التكاثر الجنسى بين ذكر وأنثى، إلا أنه فى أحوال التكاثر اللاجنسى تنتقل المادة الوراثية بالانقسام البسيط للخلايا كما فى الكائنات الحية وحيدة الخلية، و في بعض الحالات يمكن للمادة الوراثية أن تنقل بين أفراد غير أقرباء بعمليات للهندسة الوراثية أو عن طريق الفيروسات .بشكل أساسي ، تحوي المورثات المعلومات الأساسية لبناء البروتينات و الإنزيمات و المواد الحيوية اللازمة للكائن الحى و وظائفه و مع الوقت ، يمكن ان تنتج هذه العملية ما نسميه تنوعا، أي تطور نوع جديد من الأحياء بدءا من نوع موجود أساسا . بالنسبة لهذه النظرية فإن جميع الكائنات الحية الموجودة ترتبط ببعضها البعض من خلال سلف مشترك كنتيجة لتراكمات التغيرات التطورية عبر مليارات السنين . فالتطور أيضا مصدر للتنوع الحيوي على كوكب الأرض ، بما فيها الأنواع المنقرضة المسجلة ضمن سجل الحفرياتالانتخاب الطبيعي هو عملية او آلية تقوم بتأثيرها على التنوع الجيني المتشكل عن طريق الطفرات الوراثية ، و إعادة تركيب الجينات و توريث الجينات ، لذا يعتبر الانتخاب الطبيعي عملية يتم بها بقاء و نجاة الأفراد ذوي الميزات الأفضل للحياة و بالتالي التكاثر . إذا كانت هذه الميزات قابلة للتوريث فإنها ستنتقل إلى الأجيال اللاحقة ، مما ينتج ان الميزات الأكثر نفعا و صلاحية للبقاء تصبح أكثر شيوعا في الأجيال اللاحقة . فبإعطاء وقت كاف ، يمكن أن تنتج هذه العملية العفوية تلاؤمات متنوعة مع تغيرات الظروف البيئية.الفهم الحديث للكائنات الحية يعتمد على نظرية الانتخاب الطبيعي ، و تشكل كل من نظرية الانتخاب الطبيعي و نظرية الوراثة ما يدعى بالعلم التطوري الحديث ، و يصف التطور كتغير في تكرار و توافر المورثات ضمن مجموعة حيوية من جيل إلى الجيل الذي يليه . هذه النظرية سرعان ما أصبحت المبدأ المركزي المنظم للعلوم الحيوية الحديثة النظرية كالحيوان والنبات والعملية كالطب، بسبب قدرتها على تفسير كافة ظواهر الحياة و قدرتها التنبؤية العالية بما يمكن أن يحدث ، كما أنها تستخدم عمليا فيما يسمى الانتخاب الصناعى،فى النباتات والحيوانات.ويمكن للعلماء مراقبة التطور وعمليات الانتخاب الطبيعى بمراقبة الكائنات الحية المتميزة بقصر العمر مما يمكن العلماء من ملاحظة التغيرات التى تحدث لها مع تغير ظروف البيئة ،وكيفية تلائمها مع ظروف البيئة المتغيرة، وتستخدم فرضيات التطور والوراثة فى دراسة أصل مقاومة المضادات الحيوية في الجراثيم ، ومقاومة الحشرات للمبيدات ، و التنوع في النظام البيئي للأرض . و مع أن هناك إجماع علمي بشكل كبير لدعم صلاحية و صحة نظرية التطور ، لتطبيقاتها العملية الكثيرة و قدرتها التفسيرية و التنبؤية العالية لأصول الأجناس و الأنواع الحية ، فإن هذه النظرية تبقى في قلب جدالات دينية و اجتماعية حول مفاهيمها و مدى صحتها بسبب صدامها مع بعض الرؤى حول نظرية الخلق في بعض الديانات . و إحدى المحاولات لتقديم رؤية بديلة تحاول تقديمها نظرية التصميم الذكي ..و هو المفهوم الذي يشير إلى أن "بعض الميزات في الكون والكائنات الحية لا يمكن تفسيرها إلا بمسبب ذكي، وليس بمسبب غير موجه كالانتخاب الطبيعي .يقول مؤيدو النظرية والذين يتبعون معهد ديسكفري إن التصميم الذكي هو نظرية علمية تقف على قدم المساواة أو تتفوق على النظريات الحالية التي تتعلق بالتطور وأصل الحياة تنظر الأغلبية الساحقة من المجتمع العلمي إلى نظرية التصميم الذكي كنظرية غير علمية، و هى علم زائف أو علم تافه . فالأكاديمية الأمريكية القومية للعلوم صرّحت بأن التصميم الذكي والادعاءات التي تخص الإنشاء الخارق للطبيعة في أصل الحياة ليست علماً بسبب عدم إمكانية اختبارها بالتجربة؛ ولأنها لا تعطي أية توقعات، ولا تقترح أية فرضيات خاصة بها . وفى حين تفتقد نظريات الخلق الخاص والتصميم الذكى للبراهين العلمية نظريا وعمليا، تمتلىء جعبة أنصار التطور بالبراهين النظرية والعملية التى تدعمها الممارسة العملية كما سبقت الإشارة .

موجز تاريخ المادة والوعى (9) الخلية الحية و أصل الحياة

موجز تاريخ المادة والوعى (9) الخلية الحية و أصل الحياة
سامج سعيد عبود
فى ظل توافر شروط للتفاعل الكيميائى وهى أنواع مختلفة من الطاقة الكهرومغناطيسية، و توافر عناصر طبيعية غازية وسائلة وصلبة ، و توافر عوامل مساعدة على التفاعل الكيميائى من حرارة ورطوبة، نشأت أبسط مركبات الكربون من جزيئات كيميائية يشترك فى تكوينها الكربون كعامل مشترك فيها مع الأكسجين والهيدروجين والنتروجين والفوسفور كعناصر رئيسية، فضلا عن عناصر ومركبات بسيطة لعبت أدوارا ثانوية ، أخذت تلتصق مع بعضها البعض، عبر تفاعلات البلمرة وغيرها من التفاعلات الكيميائية السابق الإشارة إليها، لتكون جزيئات أكثر تعقداً ، فى ظل شروط معينة للتفاعل كانت متوافرة على الأرض منذ نحو أربع بلايين من السنين، مما أعطاها صفات نوعية جديدة أكثر تعقدا من الجزيئات الأبسط التى كونتها، ومنها التفاعل مع العناصر والمواد الموجودة فى البيئة المحيطة لبناء جزيئات أخرى مماثلة لها أو مختلفة عنها مثلما سبقت الإشارة إلى ذلك عند تناول الحمض النووى الريبوزى ، مما اكسب هذه الجزيئات قدرات متميزة عن الجزيئات الكيميائية الأخرى، وأخذت تتجمع هذه الجزيئات التى يقودها الحمض النووى الريبوزى المعروف إختصارا بـ ح.ن.ر و هو جزىء الحياة المكون من 10 آلاف ذرة تقريبا ، والذى يملك القدرة على السيطرة على تفاعلات الجزئيات المختلفة ، والتحكم فيها لإعادة نسخ نفسه ،و من مثل هذه التجمعات من الجزيئات العضوية وعلى رأسها الأحماض النووية المكونة من جزيئات للسكر والفوسفات ومركبات النتروجين وغيرها والبروتينات المكونة من الأحماض الأمينية عبر تفاعلات البلمرة ، وهى أسلاف الخلايا البدائية النوى البكتريا والجراثيم ، وبعد فترة طويلة استغرقت ملايين السنين أخذت تتشكل أبسط أشكال الخلايا الحية الكاملة حقيقة النوى، والذى يقود العمل فيها ح.ن.ر، والتى اخذت تمتص ما فى الطبيعة من جزئيات كربونية بروتينية ودهنية ونشوية وسكرية، من الفتحات الموجودة بين جزيئات جدار الخلية، وتهدمها لعناصرها الأولى ثم تبنى باستخدام هذه العناصر، جزيئات البروتينات والدهون والسكريات والنشويات، وهى فى كل هذا تمتص أنواع من الطاقة الكهرومغناطيسية، و تولد فى نفس الوقت أنواع من الطاقة الكهرومغناطيسية، فضلا عن إخراج ما لا تحتاجه من نواتج تلك التفاعلات الكيميائية التى تحدث بينها، فى صور غازات أو مواد صلبة وسائلة تخرج من الفتحات الموجودة بين جزيئات جدار الخلية، و تنمو نتيجة هذا الامتصاص لما فى الطبيعة من مواد تقوم بواسطتها عمليات الهدم والبناء داخلها ، ثم تنقسم نتيجة النمو الداخلى ، وذلك نتيجة عجز جدار الخلية على الاحاطة بالجسم النامى بسبب صغره، و أما عن نقل الصفات الوراثية، فقد ظل يتم من خلال انقسام نواة الخلية ، مقر حكم الحمض النووي الديبوزى المسئول عن حمل العوامل الوراثية .. و ظل هذا الانقسام الخلوى هو الوسيلة الأساسية للتكاثر ، واعادة إنتاج النوع ، ثم أخذت هذه المواد الحية و بعد فترة طويلة استغرقت ملايين السنين تأخذ شكل خلايا أكثر تطوراً ثم تطورت بدورها تدريجيا ، بحيث تفنى المادة الحية غير القادرة على البقاء ، وأداء وظائفها فى ظل شروط البيئة المتغيرة، وتبقى المادة الحية القادرة على البقاء ، وأداء وظائفها فى ظل تلك الظروف، و التى اكتسبت صفات أخرى نتيجة تعقدها تركيبيا ، وهو ما أهلها للبقاء و التطور بشكل أفضل ، وبعد فترة طويلة استغرقت ملايين السنين تكونت كائنات حية متعددة الخلايا نتيجة ترابط عدد من الخلايا الحية، و كان ذلك نتيجة لانقسامها مع استمرارها ملتصقة مع بعضها فى نفس الوقت فى شكل مستعمرات من الخلايا ، ثم أخذت هذه الخلايا تتخصص فيما بينها فى نوع من تقسيم العمل فيما بينها، فأصبح لكل منها وظيفة معينة تؤديها لصالحها ولصالح الكائن الحى ككل ، وأخذت بالتالى تتواجد وسائل أخرى نتيجة هذا التخصص للتكاثر والحركة و إمتصاص الطعام والنمو و الاخراج بالإضافة إلى أن كل خلية حية بمفردها مازالت تمتص وتخرج وتبنى وتهدم وتنمو وتنقسم كما لو كانت كائن حى وحيد الخلية ، فكل ما تصنعه أجهزة الكائن الحى المختلفة ما هو إلا مساعدة كل خلايا الكائن الحى على ممارسة هذه الوظائف بمساعدة أنسجة وأعضاء الأجهزة المختلفة لهذا الكائن من حركية وعصبية وهضمية وتناسلية.الخلية الحيةتعرف المادة الحية التي تكون الخلايا باسم "بروتوبلازم" . وقد قسم العلماء الكائنات الحية إلى مجموعتين كبيرتين هما :* أوليات النواة وهي الكائنات التي (لا) تتشكل المادة الوراثية في داخل خلاياها على هيئة جسم محدد يحيط به غلاف غشائي ، وذلك كما في حالة البكتريا * حقيقيات النواة وهي الكائنات التي توجد المادة الوراثية داخل خلاياها على هيئة جسم محدد محاط بغلاف غشائي . وقد تكون هذه الكائنات وحيدة الخلية مثل الأميبا ، أو قد يكون جسمها من عدد كبير من الخلايا مثل الهيدرا ، أو الإنسان .الخلية الحية هى كائن حى قائم بذاته فى الكائنات الحية وحيدة الخلية، و هى وحدة البناء الرئيسية فى الكائنات الحية متعددة الخلايا، و الخلية معقدة للغاية ، وتتكون الخلية من العديد من الأجزاء، و كل واحدة من هذه الأجزاء تشبه مصنع الكيماويات ينتج ويصنع ويؤدى وظائف مختلفة فى الخلية، ويتراوح حجم الخلايا فى حقيقيات النواة بين 200، 15000 ميكرو متر مكعب . ويبلغ قطر أصغر الخلايا الحيوانية حوالى 4 ميكرومتر . ويبلغ عدد خلايا جسم الانسان حوالى (10) 14 خليه ، أى 100 بليون خلية.و تعوم مكونات الخلية من جزئيات عضوية معقدة فى بحر من المياة ، حيث تعتمد كثير من هذه المكونات فى إداء وظائفها على تكونها من نوعين من الجزئيات العضوية، جزيئات جاذبة للماء تجمع جزئياته حولها ، و جزيئات منفره للماء تطرد جزيئاته عنها ، وهذا التنافر والتجاذب بين الجزيئات المختلفة و الماء، يفسر أشكال كثيرة من الحركة الحيوية، كما أنه يفسر أن الحياة نشأت أول ما نشأت فى وسط مائى، و إننا لو تعمقنا فى سر هذا التنافر والتجاذب لوجدناه فى اختلاف الشحنات الكهربية داخل الذرات والجزيئات المختلفة.جدار الخليةإننا نلاحظ فى حياتنا اليومية أن الكثير من المركبات العضوية لا تمتزج بالماء ، مثل الشمع والدهون ، و جزيئات أخرى تمتزج بالماء بسهولة مثل خيوط الغزل كالصوف والقطن والكتان ، .. وإذا نحن حاولنا إختراق الخلية فأننا سنجدها مسورة بجدار مكون من صفين من الجزيئات المترابطة ، الصف الداخلى المتجة لداخل الخلية مكون من جزيئات عضوية جاذبة للماء ، والصف الخارجى المتجة لخارج الخلية مكون من جزئيات منفرة للماء ، و تدخل من بين الفراغات التى بين جزئيات الجدار المواد العضوية والغذائية إلى داخل الخلية ، و يتم اخراج الفضلات الزائدة عن حاجة الخلية من نفس الفراغات. يفصل غشاء الخلية محتويات الخلية عن البيئة المحيطة ، وغشاء الخلية يحتوى على فتحات صغيرة للغاية وهذه الفتحات تسمح بمرور الجزيئات الصغيرة جدا بجانب وظيفة الحماية . الأنزيمات ويتم هضم هذه المواد أو بمعنى آخر تحطيمها لجزئيات أبسط من خلال عمليات هدم المواد الغذائية التى تقوم بها جزيئات معقدة هى الأنزيمات ، وهى جزئيات عضوية معقدة للغاية تتشكل على هيئة تلافيف ككرة الخيط المعقدة .. الا إن هذه التلافيف تحتوى داخلها على فراغ ذو شكل محدد ، يحدد طبيعة عمل الأنزيم ، وبحيث تتجه الجزئيات النافرة مع الماء للداخل و الجاذبة للماء إلى الخارج ، ويحدث التفاعل الكيميائى ما بين جزئيات جدار الأنزيم الداخلى و المواد العضوية المكونة للغذاء ، حيث يتم تحليلها لمواد أبسط تخرج من الفراغ داخل الأنزيم.السيتوبلازمتعرف المنطقة الممتدة بين النواة وغشاء الخلية باسم سيتوبلازم ، و هو سائل هلامى ، و هو مادة حية سائلة هلامية تملأ الخلية وهي تدعم بخيوط دقيقة وأنيبيبات دقيقة تكون معا الهيكل الخلوي ، و هو موضع أغلب أنشطة الخلية لذلك يمكن أن تعتبره مكان الصنع ، و يوجد داخل السيتوبلازم كل أعضاء الخلية الآتى ذكرها.و السيتوبلازم لا تنقطع به عمليات النشاط الكيميائى من بين ذرات عناصر و جزيئات عضوية وغير عضوية ، وتتحلل جزيئات عضوية وغير عضوية لذرات وجزيئات أبسط، ولا تنقطع بهذا السائل الحركة المستمرة للمكونات التى تسبح بداخله ، وهى مئات الألوف من الجزيئات العضوية وغير العضوية و التى تؤدى أدوراً مختلفة فى العمليات الحيوية ، تعتمد فى ذلك على تركيبها ، وما يعطيه لها هذا التركيب من خصائص معينة ، ولعل أبرز هذه العوامل هو ازدواجية الجزيئات التى يكون بعضها جاذبة للماء وبعضها منفرة للماءالليسوسوماتيوجد فى السيتوبلازم أكياس صغيرة تعرف باسم" الليسوسومات " وهذة الأكياس لها جدار من غشاء واحد وتحتوى فى داخلها على إنزيمات هاضمة .بيرأوكسيسوماتوتحتوى منطقة السيتوبلازم أيضا على طراز آخر من أكياس صغيرة تعرف باسم " بيرأوكسى سومات "وهى تحتوى على إنزيمات معينة . الرايبوسوماتوتوجد في أرضية السيتوبلازم حبيبات تعرف باسم "رايبوسومات" ، وتتكون كل ريبوسومة من (الحمض النووي الريبوزي) الذي يعرف اختصاراً باسم (رنا) RNA بالاضافة إلى البروتين . وقد توجد الريبوسومات على السطح الخارجي لأغشية الشبكة الإندوبلازمية ، فتوصف الشبكة عندئذ بانها شبكة إندوبلازمية خشنة . أما في حالة عدم وجود الريبوسومات عليها تعرف باسم (شبكة إندوبلازمية ناعمة) .و هى مكان جزيئات البروتين وكذلك تصنيع المواد الحيوية ، وهى عبارة عن خطوط إنتاج حيث يحدث التصنيع الحقيقى للبروتين وهذا البروتين أساس للحياة والعلماء يعتقدون أنه إذا عرفنا بالتفصيل الدقيق ما يحدث فى الرايبوسومات سوف نكون قد وصلنا إلى سر الحياة .فعند خروج بعض هذه الجزئيات البسيطة من الأنزيم ... تتلقاها جزئيات عضوية أخرى تسمى الرايبوسومات لتصنع منها البروتينات المختلفة والمكونة أساسا من الأحماض الأمينية وهى مركبات أبسط من البروتينات، و تتكون البروتينات من الكربون والأكسجين والهيدروجين والنتروجين كعناصر رئيسية فى كل جزىء بروتين، اما الجزئيات الأخرى كالنشويات و السكريات و الدهون فهى مكونة من الكربون والهيدروجين والأكسجين، ،وكل هذه الجزئيات العضوية بدورها تخزن فى سائل السيتوبلازم الذى يملىء الخلية حتى تستفيد منها الميتوكوندريا .الميتوكوندريا هى محطات الطاقة فى الخلايا الحية .. وهى المسئولة عن توفير الطاقة اللازمة لعمل الخلية عن طريق تكسير المواد الغذائية بواسطة الأكسجين وينتج من ذلك طاقة تختزن فى مركب ATP ولذلك تسمى الميتوكندريا ( بيت طاقة الخلية ) . وهى جزئيات عضوية بدورها تتجمع لتكون تركيب معين من غشائين رقيقين يفصل بينها فراغ صغير ، وينثنى الغشاء الداخلى ليصنع بروزاً داخل الميتوكوندريا .. وتعتمد الميتوكوندريا فى توليد الطاقة و تخزينها على دورة كيميائية تتفاعل فيها المواد الغذائية مع مركب كيميائى يسمى أدينوسين ثلاثى الفوسفات، و هو جزىء عالى الطاقة والذى بفقده مجموعة فوسفات يعطى مركب كيميائى آخر يسمى أدينوسين ثنائى الفوسفات و طاقة عالية .. هذا فى توليد الطاقة .. أما لتخزينها فتحدث العملية فى الاتجاه العكسى.ويذكرنا ترتيب الجزيئات فى جدار الميتوكوندريا بترتيب الجزيئات فى جدار الخلية الحية بصفة عامة ، و نلاحظ إنه فى هذه الحالة أيضا تترتب الجزيئات طبقا لخواصها الطبيعيه ، فسلاسل البروتين التى تحتوى على مجموعات محبه للماء ، تمتد على طول السطح الخارجى فى مواجهة الماء المحيط بهذه الجسيمات ، كما تمتد على طول الجدار الداخلى ملامسة للماء الموجود داخلها ، وفى حين أن السلاسل الهيدروكربونية لجزئيات الدهن ، والتى تعتبر كارهة للماء - لأنها تتركب من الكربون والهيدروجين فقط مثل الشمع تبتعد عن الماء ، ولذلك فهى تشغل وسط الجدار بين سلسلتى البروتين ، وهكذا تتفاعل مع هذه الجزئيات الدهنية والسكرية والكربوهيدراتية المخزونة ، وبحرقها باستخدام الأكسجين، تتولد الطاقة التى تحتاجها الخلية لاداء وظائفها الحيوية المختلفة، وأهمها الحفاظ على توازن بيئتها الداخلية.جهاز جولجى أنابيب وانتفخات موجودة قريباً من النواة تقوم بوظيفة الإفراز كما فى إنتاج الأنزيمات المخاطية الهاضمة بواسطة البنكرياس .شبكة الاندوبلازمية هى قنوات أو أنابيب ملتوية خلال سيتوبلازم الخلية ، وهى تعمل كأنها دورة دموية مصغرة داخل الخلية وذلك لأنها مزودة بشبكة من القنوات تنتقل خلالها المواد مثل البروتين من جزء الى أخر .السنتريول ( الجسم المركزى ) ويوجد بالقرب من النواة منطقة رائقة من السيتوبلازم تعرف باسم "سنتروسوم" ، وهذه يوجد فيها جسمان اسطوانيان يعرف كلا منهما باسم "سنتريول" . ويتكون جدار كل سنتريول من مجموعة من "الأنيبيبات الدقيقة" . ويلعب السنتريول دوراً هاما في مراحل الانقسام الخلوي .نواة الخليةتوجد فى كل خلية نواة هى المسئولة عن حياة الخلية و انقسامها و تكاثرها و نقل الصفات الوارثية والخصائص الحيوية الأخرى ، فنواة الخلية هى مركز التحكم الرئيسى فى الخلية التى تتحكم فى نشاط الخلية والنواة ضرورية لتكاثر الخلية وداخل النواة نرى الكروموسومات والجينات وهما المسئولان عن تحديد الصفات الوراثية التى تتكون من DNA الذى هو موضع التعليمات الموجهة لجزيئات البروتين فى الخلية، وتحمل جزيئات DNA كل خصائص الأفراد والجينات تحدد إذا كان الشخص يكتب باليد ( اليمنى أو اليسرى ولون العين ولون الشعر …. الخ ) . وفي الواقع فإن نواة الخلية تحتوي على بروتينات معينة تعرف باسم هستونات ، كما توجد بالنواة أيضا بروتينات غير هستونية . وتحتوي النواة على جسم داكن غير منتظم الشكل يعرف باسم "النويه"... فهى باختصار عاصمة الخلية و مقر حكمها الاستبدادى الشديد المركزية ، حيث إننا لو قسمنا الخلية إلى نصفين .. فأن النصف الذى يكون من نصيبه النواة هو فقط الذى سوف يستمر فى الحياة .. والنواة تملئها جزيئات عضوية هى المسئولة عن كل عمليات الحياة وهى جزئيات الحمض النووى الريبوزى الذى يتكون من سلسله مزدوجة حلزونية أى ملتفة حول نفسها .. وهى مكونة من جزئيات متوالية من الفوسفات والسكر و يربط بين السلستين أربع جزئيات عضوية أخرى هى السايتوزين والثايمين والجوانين والأدينين و هذه الجزيئات تشكل حروف لغه الوراثة التى تنقل التعليمات إلى جزيئات الخلية و تتحكم فى تفاعلاتها ويتشابه الحمض النووى الديبوزى مع الحمض الريبوزى الا إنه منقوص الأكسجين وهو مسئول معه على نقل تعليمات الوراثة و التحكم فى صنع بروتينات الخلية.الكروموسوماتتكون جزيئات الحمض النووى أجسام صغيرة تسمى الكروموسومات التى تحمل الصفات الوراثية للكائن الحى ، فكل كروموسوم هو جسم عضوى معقد يحمل شفرة خاصة تتحكم فى الصفات الوراثية للكائن الحى ، وهى عملية معقدة للغاية ، و يوجد بخلية الإنسان ستة و أربعون كروموسوما أو ثلاثة وعشرون زوجا من الكروموسومات التى تحمل ما يربو عن الثلاثبن الف جين تحمل الشفرة الوراثية التى تحدد معظم خصائص الإنسان الجسدية والنفسية، و تحدد فرادته عن باقى أفراد جنسه، وأن كان العلم الحديث قد توصل لأسرارها ، وأستخدم هذه الأسرار فيما يسمى بالهندسة الوراثية .. و هى العلم الحديث الذى يقوم على التحكم فى صفات الكائن الحى من خلال التدخل فى تشكيل وتركيب الكروموسومات وما تحمله من جينات، بالاقتطاع والمزج والإحلال والتبديل .. الخ الخ .الجيناتهى جزيئات كيميائية معقدة للغاية فى ترتيب ذراتها وأشكالها ، وهو ما يعطيها قدرات التروس والسيور و العجلات فى نقل الحركة الميكانيكية ، والمكثفات والمقاومات والأسلاك فى نقل الاشارات الكهربية .. فهى بهذه الأشكال تنقل الصفات الوراثية ، وتجعل الكائن الحى قادر على نسخ نفسه مرة أخرى ، وتنقل صفات بعضها للأجيال الجديدة باعتبارها نسخا من الأجيال القديمة ، وقد تمكن العلماء من تحضير الأحماض النوويه معمليا ، وتحضير الجينات صناعيا ، وإستخدامها فى الهندسة الوراثية ، والقائمة على اقتطاع الجينات وزراعتها وتركيبها لاحداث صفات مرغوبة فى الأجيال الجديدة ، والتمكن بذلك من تخليق كائنات حية جديدة معمليا ، أو تهجين كائنات حية مع كائنات حية أخرى ، لتخليق نوعيات معينة من الكائنات الحية... فكل ما يكتسبه الكائن الحى من صفات و خبرات و معلومات يخزن فى شكل جزئيات عضوية تعمل كحروف اللغة مرتبة بشكل معين يجعلها تشكل كلمات وجمل، مما يجعلها تعمل كشفرة خاصة تتحكم فى تركيب الكائن الحى و سلوكه ، بالضبط كبرامج الكومبيوتر التى تتحكم فى خطوط الإنتاج و هكذا تتكون الخلايا الحية من مئات الأنواع من الجزئيات الحيوية العضوية ذات التركيب والوظائف الخاصة ، وتقوم الخلية الوحيدة بكافة العمليات الحيوية الا إنها تصبح متخصصة فى الكائنات متعددة الخلايا ، والتى تتجمع فى أنسجة وأعضاء تؤدى كافة الوظائف الحيوية من خلال فعل القوى الكهرومغناطيسية ، وهى أحد القوى المادية فى الطبيعة و التى تربط هذه الخلايا وجزئياتها ببعضها البعض.وهكذا فأن كل خلية حية فى الجسد الحى تعتبر عالما قائما بذاته له شخصيته ، وله وظيفته الخاصة فى بعض الأحيان، و تعج كل خلية من خلايا الكائن الحى بالنشاط والضجيج الكيميائى ، وتقوم كل هذه الخلايا بدورها المرسوم بكل دقة وعناية و يتشكل من مجموع نشاطها فى نهاية الأمر الشكل النهائى للكائن الحى .فكل العمليات الحيوية فى الكائن الحى ، تعتمد على تفاعل مجموعات محددة من الجزيئات العضوية ، فالأنزيمات كما وقد سبق وأشرت ، وظيفتها هدم المواد الغذائية و تحليلها لعناصر أبسط ، وتعتمد فى أداءها لوظائفها على شكل التجويف التى تصنعه إنحناءات سلسلة الجزىء ، والذى يتم داخله الفعل الكيميائى بين الأنزيم والمواد الغذائية .. وهناك المنظمات الحيوية المسئولة عن تنظيم حركة العضلات اللإرادية فى الجسم كالقلب و المعدة والأمعاء . ومنظمات النمو التى تدفع خلايا البويضة المخصبة إلى الانقسام و تنظم نمو الكائن الحى .. والهورمونات و التى هى غالبا ما تكون جزيئات بروتينية صغيرة الحجم نسبيا . (و أهم ما يميز الهرومونات ، إن لكل منها أثراً محدداً، و وظيفة ثابتة لا يتعداها أبداً فالهرمون الواحد قد يؤثر تأثيراً خاصا فى نوع ما من الخلايا .. فيدفعها إلى الدخول فى تفاعلات بعينها ، ولكنه لا يؤثر بتاتا على بقية الخلايا الأخرى المحيطة بها ، فتستمر هذه الخلايا فى عملها المعتاد و كأنها لا تحس به على الاطلاق ، وكأن كلا منها له لغته الخاصة به . ومن أمثلة الهرومونات ، هرمون الأنسولين الذى يفرزه البنكرياس ، والذى يتحكم فى عمليات التمثيل الغذائى للسكريات .و الفيتامينات التى تؤدى أدوراً غاية فى الأهمية والتنوع والحيوية فى الجسم كفيتامين أ،ب،ج،ه ـ.. وتعتمد عملية الاحساس وانتقال الرسائل و ردود الأفعال وتخزين المعلومات، لدى الكائن الحى على تفاعلات كهروكيمائية لجزيئات الخلايا العصبية فى الكائن الحى متعدد الخلايا، و تجمعات هذه الخلايا فى شكل أنسجة وأعضاء وأجهزة عصبية، وحيث أن تبادل الفعل بين جزيئات المادة الحيه لابد وأن يعتمد على تبادل لكمات الطاقة الكهرومغناطيسية، فأن مولدات الطاقة الكهرومغناطيسية فى الخلايا الحية موجودة بسائل السيتوبلازم والتى أسمها الميتوكوندريا ، والتى تعتمد على مركبات كيمائية معينة ، تساعد على توليد الطاقة الكهرومغناطيسية اللازمة .. وأخيراً توجد الجزئيات الحيوية التى تتولى مهام الدفاع والأمن فى الكائن الحى.الانقسام الخلويفى الكائنات عديدة الخلايا تتكاثر الخلايا بغرض نمو الكائن الحي ، وتعويض الخلايا التي تموت . وعلى سبيل المثال فإن الإنسان يحتاج إلى حوالي 2.5 مليون خلية دم حمراء جديدة كل ثانية لتعويض خلايا الدم التي تتلف. ويتم إكثار خلايا الجسم عن طريق حدوث انقسامات متتالية للخلايا ، و الانقسام الخلوي عملية معقدة يتم من خلالها انقسام مادة الخلية بالتساوي بين الخلايا الناتجة عنه.الانقسام غير المباشر (الفتيلي)الانقسام غير المباشر هو وسيلة التكاثر في كثير من الكائنات الحية وحيدة الخلية . أما في متعددة الخلايا فهدفه إكثار خلايا الجسم ، ولذا فهو ضروري لنمو الجنين والفرد الصغير، وكذلك لتعويض التالف من الخلايا الجسمية . ومن الجدير بالذكر أن عدد الكروموسومات فى الخلية يظل ثابتا، رغم توالي دورات الانقسام الخلوي بهذه الطريقة . فالمادة الوراثية في الخلية- ممثلة في الكروموسومات- تتضاعف حيث نجد أن الكروموسوم المكون من صبغية واحدة تتضاعف مادته ليصبح مكونا من صبغيتين حتى إذا حدث الانقسام فإن كل خلية تأخذ أحد الصبغيتين من كل كروموسوم . مراحل الانقسام غير المباشر الطور التمهيدي وفيه تبدأ خيوط الصبغيتين في الطي والتكثيف لتكون الكروموسومات التي تبدأ في الظهور على هيئة خيوط رفيعة طويلة ، ومن ثم يوصف الانقسام باللفظ "فتيلي" " ، ويبدو كل كروموسوم مكونا من صبغيتين . ومع مرور الوقت تقصر الكروموسومات وتزداد في السمك ، ويظهر على كل منها الاختناق الأولى وكذلك تظهر الاختناقات الثانوية على البعض منها ، ويقل حجم النوية تمهيدا لإختفائها ، حيث تتبعثر مكوناتها في بلازما النواة . يبدأ الغلاف النووي في الإختفاء عند بعض المواقع تمهيدا لإختفائه كلياً ، وبذا تنطلق محتويات النواه إلى السيتوبلازم . تبدأ خيوط المغزل في الظهور في السيتوبلازم ويبتعد زوجي السنتريولات عن بعضهما البعض بالتدريج بينما يزداد نمو خيوط المغزل التي تمتد بينهما حتى يستقر كل زوج من السنتريولات عند أحد قطبي الخلية . ومن الجدير بالذكر أن خيوط المغزل هي عبارة عن أنيبيبات دقيقة يتم تخليقها مع بداية مراحل الانقسام الخلوي وفق نسق معين ، ولذلك علاقة وثيقة بحركة الكروموسومات خلال عملية الانقسام الخلوي ، وتختفي خيوط المغزل مع نهاية عملية الانقسام الخلوي . ويطلق على المغزل والنجم والسنتريولات معا إسم الجهاز الفتيلي . ويوصف الانقسام الخلوي عندئذ بأنه انقسام "غير نجمي" ، أما في باقي الكائنات الحية التي يوجد بها الجهاز الفتيلي كاملا فإن الانقسام الخلوي يوصف بإنه "نجمي" أو مزدوج النجم ". الطور الإستوائي وفيه تبدأ الكروموسومات -التي تبدو سميكة وقصيرة- في الانتظام عند الخط المنصف للخلية لتكوين ما يسمى"الصفيحة الإستوائية" وتتصل بعض خيوط المغزل بالكروموسومات عند موقع معين ، وبذا يكون كل كروموسوم مرتبطا بهذه الخيوط الممتدة على جانبيه ، وذلك عند قرص ذو طبيعة بروتينية - على سطح كل صبغية - يسمى المرفأ الحركي والذي يقع في السنترومير الذي يربط بين صبغيتي الكروموسوم عند الاختناق الاولي وتسمى خيوط المغزل التي تتصل بالكروماسومات باسم "الألياف الكروموسومية" " ، ويلاحظ وجود خيوط مغزل تمتد مستمرة بين قطبي الخلية يطلق عليها اسم الألياف المستمرة ". وخلال الطور الاستوائي تزداد لزوجة السيتوبلازم . الطور الانفصالي وفيه تنكسر السنتروميرات الأخوية الرابطة بين صبغيتي كل كروموسوم ، ويحدث ذلك لجميع الكروموسومات في الوقت نفسه ، وبذلك تنفصل صبغيتي كل كروموسوم بعد انفصالهما ، ويطلق على هذه الخيوط إسم "ألياف بين نطاقية" ". وتنجذب كل مجموعة من الصبغيات - التي تسمى منذ ذلك الحين باسم الكروموسومات البنوية " - ناحية قطب الخلية القريب منها ، ويبدو كل كروموسوم بنوى من تلك التي توصف بأنها متساوية الذراعين " وكذلك تلك غير متساوية الذراعين " - منثنيا عند موقع السنترومير حيث يرتبط بخيوط المغزل . الطور الإنتهائي : وفيه يقوم صبغتى الكروموسومات بعملية عكسية لما قام به في المرحلة التمهيدية ، حيث تتفكك خيوطه وتنبسط وبذلك تختفي الكروموسومات بشكلها التقليدي المعروف . وفي الوقت نفسه تختفي خيوط المغزل وتقل لزوجة السيتوبلازم ، وتبدأ أجزاء الكروموسومات في النشاط وبذا تبدأ النوية في التكوين . ومن ناحية أخرى يبدأ الغلاف النووي في الظهور - حول مادة النواة- بصورة متقطعة في بادئ الأمر ثم يكتمل بالتدريج ، وبذا نرى نواتين متقابلتين وسرعان ما يتخصر السيتوبلازم بينهما تمهيدا لإنقسام الخلية إلى خليتين تحوى كل منهما نواة ، وتسمى هذه العملية باسم التفلج الخلوي .. ويساعد حدوث انقباضات في الطبقة الخارجية من السيتوبلازم عن طريق الخييطات الدقيقة على إتمام هذا التفلج الذي ينتهي بالحصول على خليتين بكل منهما عدد الكروموسومات نفسه الذي كان موجودا في الخلية الأصلية ، وتدخل كل خلية ناتجة في المرحلة G1 من الدورة الخلوية وفيها كل كروموسوم يتكون من صبغى واحد . الآنقسام الاختزالييعتبر الانقسام الاختزالي ضروريا في المخلوقات التي تتكاثر جنسيا ، وهو يحدث في الكائنات حقيقيات النواة التي تحوي خلاياها العدد الضعفي للكروموسومات ، ويقصد بكلمة العدد الضعفي أن المعلومات الوراثية الموجودة على أي كروموسوم تتكرر على كروموسوم آخر في النواة نفسها وإن كان أحيانا بشكل محور. ويوصف الكروموسومان بأنهما متشابهان . . ويضمن الانقسام الاختزالي إقتسام هذا العدد الضعفي لتكوين خلايا تناسلية - جاميطات - يحتوي كل منها على نسخة واحدة من الكروموسومات . ويطلق على عدد الكروموسومات الموجودة في الخلية التناسلية اسم العدد النصفي . وعلى سبيل المثال فإن عدد الكروموسومات في الخلية الجسمية في الإنسان 46 كروموسوما ، أما عددها في الحيوان المنوي أو البويضة فهو 23 كروموسوما .ومن ناحية أخرى فإن الانقسام الاختزالي يضمن تحقيق التنوع الوراثي بطرق متعددة منها ما يحدث في الطور التمهيدي في الانقسام الاختزالي الأول حيث تتبادل الكروموسومات المتشابهة أجزاء منها ، وكذلك التوزيع العشوائي للكروموسومات المتشابهة في الطور الاستوائي .ومن الجدير بالذكر أن الانقسام الاختزالي يشمل على انقسامين متتاليين لينتج في النهاية أربع خلايا - كل منها تحتوي على العدد النصفي من الكروموسومات - وفي الانقسام الاختزالي الأول تتوزع الكروموسومات بين خليتين ، وبذا تحوي كل خلية ناتجة على نصف عدد الكروموسومات ، وكل كروموسوم منها يتكون من صبعيتين . وتدخل الخليتان الناتجتان الانقسام الاختزالي الثاني وفيه تنكسر السنتروميرات التي تربط بين صبغيتى كل كروموسوم ، وبذا ينفصل الصبغيتان عن بعضهما البعض لتتوزع الصبغيات بالتساوي على الخلايا الناتجة من الانقسام الاختزالي الثاني . وبذا ينتج لدينا في النهاية أربع خلايا كل منها يحتوي على العدد النصفي من الكروموسومات ، وكل كروموسوم منها يتكون من صبغى واحد . ومن الواضح أن سلوك الكروموسومات في الانقسام الاختزالي الثاني يشبه سلوكها في الانقسام غير المباشر فيما عدا أن الخلايا التي تدخل الانقسام الاختزالي الثاني تحوي العدد النصفي من الكروموسومات . ومن الجدير بالذكر أنه في ذكور الفقاريات تتحور الخلايا الأربع الناتجة عن الانقسام الاختزالي إلى حيوانات منوية ، أما في الإناث فإن واحدة من الخلايا الأربع الناتجة تكون أكبر حجما لتصبح بويضة ، أما الثلاث خلايا الباقية فهي تكون صغيرة الحجم ويطلق عليها اسم "أجسام قطبية" وهي لا دور لها في عملية الإخصاب وتكوين الجنين ، وتتحلل بعد ذلك . وتحدث خطوات الانقسام الاختزالي في خصي الذكور ، أما في الإناث فإن معظم مراحله الأولى تحدث في المبايض .

موجز تاريخ المادة والوعى(8) ظاهرة الحياة

موجز تاريخ المادة والوعى(8) ظاهرة الحياة
سامح سعيد عبود
الحياة لم تظهر على نحو مفاجىء، وبالمصادفة من تراكم عشوائى لعدد من العناصر الطبيعية على الأرض كما يتصور البعض ذلك ، كما لم تظهر الحياة بمعجزة خارقة للطبيعة حدثت فى زمن مضى، لأن الحياة ببساطة هى مجموعة من السمات أكتسبتها تجمعات من أنواع من الجزيئات المادية المعقدة المكونة من جزيئات الكربون، وعلى رأسها البروتينات والأحماض النووية، التى تكونت عبر عملية طويلة من جزيئات مادية أكثر بساطة من مركبات الكربون أيضا وعلى رأسها الأحماض الأمينية التى كونت البروتينات، والفوسفات والسكر و قواعد نتروجينية التى كونت الأحماض النووية ، و التى تكونت بدورها عبر عملية طويلة من جزيئات مادية أكثر بساطة من مركبات الكربون.إضافة إلى ذلك فتكون و تلاشى الكائنات الحية، ومكوناتها البسيطة والمعقدة، عملية مستمرة تحدث بما لا يمكن حصره من مليارات المرات فى كل ثانية تمر علينا، فى كل تلك الكتلة من الكائنات الحية التى تعيش على الأرض، منذ أن بدأت الحياة على الأرض و إلى الآن، و الحياة فى نفس الوقت عملية مزدوجة ذات وجهين متضادين لا انفصال بينهما، تحدث فى كل كائن حى على حده من الجرثومة إلى الإنسان من جهة ، و من جهة ثانية بين كل الكائنات الحية من أبسطها إلى أعقدها ، و من جهة ثالثة بين تلك الكائنات الحية والكائنات غير الحية التى تشكل البيئة من حولها.الحياة إذن مظاهر ناتجة عن عملية تجرى بين كائنات مادية ، أحد وجهيها هو بناء مركبات الحياة المعقدة من عناصر ومركبات الطبيعة المختلفة العضوية وغير العضوية ، أما الوجه الثانى لها فهو الهدم لتلك العناصر والمركبات العضوية وغير العضوية، ليعقب كل بناء هدم، ويعقب كل هدم بناء ، وهى عملية لا تنقطع و لا تتوقف على الأرض، فالحياة هى تحول لا ينقطع لعناصر ومركبات الطبيعة عضوية كانت أو غير عضوية بين شتى كائنات الطبيعة الحية وغير الحية، وهى عملية حدثت عندما توافرت شروطها الطبيعية، وستنتهى عند اختفاء هذه الشروط، و الكائن الحى لا يتوقف عن امتصاص مواد الطبيعة المختلفة، وهدمها عبر عملية الهضم، وإعادة تركيب أخرى من مكوناتها الأساسية فى عملية بناءه ونموه وتجديد مكوناته، طالما ظل على قيد الحياة .فالحيوانات تستغنى عن بعض تلك العناصر ممثلة فى ثانى أكسيد الكربون عبر الزفير الذى تمتصه النباتات، مكونه به النشويات والسكريات كما تتنفس تلك الحيوانات الأكسجين الناتج عن تلك العملية التى أجرتها النباتات عبر الشهيق، كما تخرج بعض الحيوانات العرق بما يحمله من ماء وأملاح تذهب إلى الهواء والتربة، وتمتص النباتات بعض ما تخرجه الحيوانات من براز وبول لتبنى خلاياها وأنسجتها التى تأكلها الحيوانات مجددا فيما يطلق عليه عملية التحول الغذائى التى تأخذ شكلين.أولهما امتصاص مواد الطبيعة غير العضوية لتكوين مركبات عضوية و هو ما تمارسه النباتات الخضرية التى تحول ثانى أكسيد الكربون الموجود فى الغلاف الجوى للأرض والماء الموجود بالتربة و كلاهما مركبين بسيطين غير عضويين، و بفعل طاقة الضوء الذى هو طاقة كهرومغناطيسية مصدرها الشمس، لمواد سكرية ونشوية و هى مواد عضوية مركبة عبر عملية التمثيل الضوئى، التى تقودها مادة الكلوروفيل الخضراء وهى مادة عضوية معقدة، و الموجودة فى كل من خلايا أوراق النبات متعدد الخلايا، وفى الكائنات النباتية وحيدة الخلية كالطحالب، وتطلق الأكسجين فى الجو كناتج لهذا التفاعل، كما تكون النباتات و بعض الحيوانات الأولية من المركبات غير العضوية لكل من النتروجين والفوسفور التى تمتصها من التربة البروتينات والدهون و هى مواد عضوية مركبة.ثانيهما امتصاص المواد العضوية المعقدة من بروتينات ونشويات ودهون وهو ما تقوم به الحيوانات التى تلتهم النباتات، وكما تلتهم بعض النباتات بعض الحيوانات، فضلا عن التهام الحيوانات غيرها من الحيوانات لتحصل على ما فيها من تلك المواد العضوية المركبة، مكونة بروتينات و دهون ونشويات وسكريات خلاياها. فالكائن الحى مصيره المحتوم إما آكل أو مأكول، فى دورات لا تنتهى، فعند موت الكائنات الحية نباتية أو حيوانية، تتفكك أعضاء وأنسجة وأجهزة وخلايا و جزيئات كل من الحيوانات والنباتات متحللة لعناصرها الأولى اللاعضوية والعضوية التى تمتصها مجددا النباتات والحيوانات من التربة، لتعيد الحيوانات والنباتات التغذى منها مرة أخرى، وهكذا فى دورات لعناصر الحياة لا تنتهى.توفير الطاقة اللازمة للحياةتحتاج الكائنات الحية الهوائية للأكسجين والذى تمتصه عبر عملية التنفس القائمة على إدخال الأكسجين للبيئة الداخلية للكائن الحى، ليؤكسد هذا الأكسجين ما يلتهمه الكائن الحى من غذاء عبر عملية التغذية، و التى هى إدخال عناصر ومركبات من البيئة الخارجية للكائن الحى إلى بيئته الداخلية، مولدا ما يحتاجه هذا الكائن من الطاقة التى تربط مكونات هذا النظام المغلق .أما الكائنات الحية اللاهوائية، فتولد ما تحتاجه من طاقة عبر عمليات التخمر، وهى تفاعلات كيميائية يقوم بها الكائن الحى اللاهوائى مع مواد بالبيئة الخارجية تنتهى بامداد الكائن الحى بالطاقة التى يحتاجها. عند توقف عمليتى التنفس و التغذية لفترات متفاوتة من كائن حى لآخر، يتعرض الكائن الحى لتفكك نظامه الداخلى و تحوله لكائن غير حى، متفككا لأبسط مكوناته غير الحية، بفقده مصادر الطاقة التى كانت تربط بين مكوناته الأبسط غير الحية ، فالترابط بين تلك المكونات هو ما كان يعطيه سمات الكائن الحى.دورات عناصر الحياة فى الطبيعةمركبات الحياة تتكون من عناصر أساسية، مثل الكربون والنتروجين والفوسفور فضلا عن الأكسجين والهيدروجين منفردين أو مركبين للماء الذى يشكل 70% من المادة الحية، ولهذه العناصر دورات فى الطبيعة، تدور بها تلك العناصر بين شتى المركبات العضوية وغير العضوية.الكربون باعتباره العنصر الأساسى فى الحياة على الأرض يسلك في الطبيعة دورة تسمى دورة الكربون. فمثلا تسحب النباتات الكربون من الهواء في صورة ثانى أكسيد الكربون وتستخدمه لبناء نفسها. وبعض هذه النباتات تؤكل عن طريق الحيوانات, التى يتنفس بعضها الأكسجين ويطلق ثانى أكسيد الكربون. ودورة الكربون معقدة وليست بسيطة كما قد يبدو في هذا المثال البسيط, فمثلا يذوب بعض ثانى أكسيد الكربون في المحيطات, كما ان النباتات والحيوانات الميتة يمكن أن تتحول إلى أحجار رسوبية ، و قد تشكل كل من الفحم والبترول والغاز الطبيعى على سبيل المثال فى عصور تاريخية معينة نتيجة درجات عالية من الحرارة والضغط تعرضت لها هذه الكائنات وهكذا.يتم تثبيت النتروجين كغاز فى الجو ، و هو عنصر جوهرى فى بناء البروتينات بحيث يقوم النبات بامتصاص المركبات النتروجينية مثل النترات والأمونيا والنتريت، و كذلك المركبات النتروجينية العضوية من التربة، وتحولها الى أحماض أمينية وبروتينات حيث تشكل الهيكل الرئيسى فى بناء أنسجته الحية، و يقوم الحيوان بالتغذية على النبات، وعند موت النبات والحيوان تقوم البكتريا بتحليل البروتينات و الأحماض الأمينية الى نشادر ويتحول النشادر الى نيتريت ثم الى نترات. يحدث ايضا تحول النترات الى اكسيد النيتروز وغاز النيتروجين من خلال وساطة كائنات التربة الدقيقة فى عملية عكس النترتة والتى تنتهى بخروج غاز النيتروجين الى الغلاف الجوى لتكتمل الدورة المعقدة للنتروجين فى الطبيعة , كما أن كمية صغيرة من النيتروجين تدخل التربة من خلال الأمطار الرعدية . ولا تختلف دورة الفسفور فى الطبيعة عن هذا حيث يشكل الفوسفور عنصر هام فى تكوين الأحماض النووية والدهون ومكونات هامة أخرى فى الخلية الحية، فتقوم النباتات بامتصاص مركبات الفوسفات وكذلك المركبات الفوسفورية العضوية، و يقوم الحيوان بالتغذية على النبات، وعند موت النبات والحيوان تقوم البكتريا بتحليل مركبات الفسفور لتمتصها النباتات مجددا.وفى الحقيقة أن أى كائن حى وعلى مدى حياته طالت لما يزيد عن المئة عام أو قصرت لعدة ساعات، يجدد من العناصر والمركبات العضوية وغير العضوية التى تكونه دوريا، فالإنسان يجدد البروتينات التى تكون جسمه مرة كل 180 يوم على سبيل المثال، فمن يستيقظ صباحا ليس هو تماما من حيث المكونات الكيميائية من نام مساءا ، فقد امتص عناصر من بيئته الخارجية عندما تناول العشاء، وأخرج البعض الآخر قبل أن ينام وبعد أن استيقظ ، بل وخلال النوم، بعض هذه العناصر أمدته بالطاقة وبعضها اشتركت فى بناء خلايا جديدة له عوض بها خلاياه الميتة، أو ساعدته فى نمو جسده بانقسام هذه الخلايا التى امتصت تلك المواد، و بعض هذه العناصر والمركبات خزنها فى صورة دهون ونشويات وسكريات.و رغم عملية التجدد المستمر لتلك العناصر والمركبات عضوية أو غير عضوية لدى الكائن الحى، فإن ما يمنحه الاستمرار ككائن متميز عن غيره من الكائنات هو استمرار نفس الطريقة التى تترتب بها جزيئات شفرته الوراثية التى تميزه ككائن حى فى نواة الخلية هذا إن كان وحيد الخلية، أو فى أنوية الخلايا الحية التى تكونه هذا إن كان متعدد الخلايا دون تغيير، أى استمرار نفس البرنامج الوراثى الذى يحدد صفاته، برغم تغير الحبر الذى كتبت به الحروف و الكلمات أو بمعنى آخر الجزيئات الكيميائية التى كتب بها هذا البرنامج.والهوية المتميزة للكائن الحى متعدد الخلية ذو الجهاز العصبى بدائيا كان أو متطورا ، تستمر طالما ظل حيا باستمرار نفس الطريقة التى تتركب بها الشفرة الوراثية فى أنوية خلاياه. فضلا عن استمرار ما يختزنه فى جهازه العصبى من ذكريات ومعارف و غرائز و مشاعر ، و المكتوبة بدورها بلغة الجزيئات الكيميائية، و ينطبق عليها ما ينطبق على الشفرة الوراثية إذ تستمر الطريقة التى كتبت بها تلك الذكريات والمعارف والوعى والغرائز والمشاعر رغم تغير وتبدل الجزيئات الكيميائية التى كتبت بها.و لا يقتصر ما يتناوله الكائن الحى من مواد على بناء جسده، بل تحدد تلك المواد لحد كبير ردود أفعاله وسلوكه ومشاعره وحالته الصحية والنفسية والعقلية، فالكائن الحى ليس خاضعا فقط للبرمجة العصبية والوراثية، وإنما خاضع للهرمونات سواء التى يفرزها جسمه أو يتناولها من الخارج، فضلا عن العقاقير و الأدوية التى يتناولها،وتؤثر فى حياته وسلوكه..الخ.فالحياة بكل مظاهرها من نمو وتكاثر وحركة و إحساس ، تعتمد على توازن دقيق لتفاعلات كيميائية معقدة بين الجزيئات الحيوية التى تكون الكائن الحى من جهة، و من جهة أخرى بين الكائن الحى و البيئة المحيطة بهما ، أما فقدان الكائن الحى لصفة الحياة فهو نتيجة خلل حاد فى التوازن بين هذه الجزيئات الكيميائية التى تكونه وبين الكائن الحى وبين البيئة المحيطة ، يؤدى إلى فقد الجسم الحى القدرة على إستمرار التفاعلات التى تكونه ، فيفقد الجسم الحى متعدد الخلايا كل مظاهر الحياة بجسمه ، إلا إن خلاياه التى تكونه تفقدها تدريجيا، بل قد يظل بعضها ينمو وينقسم لفترة قصيرة بعد موت الكائن الذى تكونه .. وفى الحقيقة أن الكائن الحى متعدد الخلايا، و خلال حياته كلها تتفكك وتتلاشى بعض خلاياه كل يوم، وتنقسم بعض خلاياه كل يوم، وتنشأ وتتكون له خلايا جديدة كل يوم.... و ما المرض أى مرض يصيب الجسم الحى إلا نوع من أنواع هذا الخلل بهذا التوازن الدقيق للتفاعلات الكيميائية التى تكون مظاهر الحياة ، مما يؤدى إلى عرقلة أحد مظاهر الحياة بالكائن الحى ، كالحركة أو النمو أو الاحساس .. الخ الخ ، وإذ كان قد لا ينهى الحياة ذاتها للكائن الحى، والعلاج غالبا ما هو إلا إضافة مواد كيميائية للجسم الحى المريض لكى تساعده على إعاده التوازن الحيوى لوضعه الصحيح فى الكائن الحى المريض، أو مساعدة الجسم الحى على إنتاج المواد الناقصة لديه كالأنزيمات و مواد المناعة .. الخ الخ.ما هو الممكن ؟ ما هو الواقع ؟هل يمكن أن توجد حياة على كواكب أخرى فى الكون غير كوكبنا ؟ هل يمكن إعادة الحياة بعد انتهائها فى الكائن الحى ؟ هل يمكن للكائن الحى الخلود للأبد؟ ما هو الواقع ؟ وما هو الممكن فى إجابات تلك الأسئلة؟ بدون الدخول فى تفصيلات إجابه العلم على كل هذه الأسئلة ؟ حيث إنه لا توجد إجابات قاطعة أو جازمة بهذا الشأن ، اللهم إنه يمكن إعادة الحياة للكائن الحى فى ظل ظروف معينة بعد فترة قصيرة جداً من ما يسمى بالموت الأكلينيكى الذى يعنى توقف القلب والرئة عن العمل للكائن الحى المتعدد الخلايا.. الا إنه بعد الوفاة التى تعنى توقف المخ عن العمل فان الأمر متروك للمستقبل حيث لا يمكن حاليا إعادة الحياة للكائن الحى بعد وفاته.. و أن كان يمكن بأخذ أحد خلايا الكائن الحى المعنى و إكثارها معمليا عمل نسخة مشابهة له تماما من الناحية الشكلية، إلا أنها ليست هو بالطبع لأنها مجرد نسخة متشابه تتفق مع الأصل فى الشفرة الوراثية فقط ، لكنها لن تتضمن ما كان يحمله هذا الكائن المستنسخ من مشاعر ومعارف وذكريات و وعى وهو ما كان يميز هذا الكائن فى الحقيقة عن غيره من الكائنات الحية حتى و لو كانت تشبهه وراثيا.فما يميز شخصية الكائن الحى ككائن ليس فقط تكوينه الوراثى أو شفرته الوراثية الذى يمكن استنساخه بها و يماثله فيها تؤأمه المتطابق معه، بل ما يميزه فعلا هو وعيه ومعارفه وخبراته وذكرياته ومشاعره وتاريخه.وكما أشرنا سابقا فأن هذه المشاعر والمعارف والذكريات والخبرات والوعى تظل مخزونة فى الجهاز العصبى للكائن الحى متعدد الخلايا فى صورة لغة مكتوبة من الجزيئات العضوية التى تترتب على نحو خاص مثلما تترتب الحروف والكلمات والجمل ، و هى تسجل المعلومات و المشاعر والمعارف والذكريات والوعى، مثلما يتم تسجيلها رقميا على شكل اشارات كهرومغناطيسية تكون لغة تتكون أبجديتها من حرفين هما صفر و واحد ، تتكون منهما كلمات وجمل مكتوبة على الهارد ديسك أو الأسطوانة المضغوطة، و هذه الجزيئات الحيوية تتحلل و تتفكك الروابط بينها بمجرد وفاة هذا الكائن الحى تماما، كما يمكن أن تضيع فى بعض الحالات المرضية كالجلطات و الأورام وغيرها أو عند تعرض المخ والجهاز العصبى لبعض الحوادث والأمراض كالزهايمر، فضلا عن أن معظم ما يتم تخزينه من ذكريات و وعى وخبرات عبر حياة الكائن الحى يتعرض بعضه للمحو أحيانا أو يصعب على الكائن الحى تذكره والاستفادة منه واسترجاعه، فيضيع ما تم تسجيله بواسطة تلك الجزيئات العضوية من المشاعر والمعارف والذكريات والوعى، كما تضيع المعلومات والبرامج من القرص الصلب للكومبيوتر أو الأسطوانات المضغوطة عند تلف أى منها، لأى سبب مثل الحرارة أو الكسر أو الفيروسات الإلكترونية وغيرها، و لا يمكن استعادتها من داخل القرص الصلب للكومبيوتر أو الأسطوانة المضغوطة، وإذا كان الحل الوحيد للحفاظ على هذه المعلومات والبرامج وتفادى ضياعها للأبد هو صنع نسخ احتياطية لإعادة تحميلها على أقراص صلبة للكومبيوتر أو اسطوانات مضغوطة جديدة...فإن هذا الحل غير متاح تطبيقه على البشر حتى الآن، وإن كان من الممكن حدوثه فى المستقبل.أما الخلود فأنه مستحيل لأى كائن مادى، و لأى نظام مغلق حى أو غير حى، وفق القوانين الرئيسية للفيزياء .. فكل كائن مادى حى أو غير حى، لابد و ان يتحول لكائن آخر ، وان طال عمره أو قصر .. وقد عرفنا أن المجرات والنجوم والكواكب لا تعرف الخلود رغم أعمارها التى قد تتجاوز البلايين من السنين .. فالميلاد و الوجود والتفكك للمكونات الأبسط و الاشتراك فى تركيب كائنات أعقد و التحول من كائن لكائن آخر هى سمات أى كائن مادى سواء أكان حيا أم غير حى .. من أصغرها كالكواركات إلى أكبرها كالمجرات.وأجسادنا عندما تفقد صفاتها الحية، تتحول من كائنات مادية حية إلى كائنات مادية غير حية، و لا أكثر من ذلك، و ما لم يتم تحنيط أجسادنا أو ما لم يتم الحفاظ عليها هى أو بعضها فى الطبيعة كحفرية متحجرة، فهى تتلاشى فى كائنات الطبيعة المختلفة، فخلايا أجسادنا و ما تتكون منها من جزيئات حيوية، تتفكك وتتوزع بين شتى الكائنات المادية الحية وغير الحية، من تراب الأرض إلى أجساد الدود إلى خلايا النباتات التى تتغذى عليها من التربة، ويظل مصير تلك الذرات و الجزيئات التى كانت تكون أجسادنا الحية بعد موتنا، هو التحول الأبدى لذرات حرة و لجزيئات حرة أو كذرات وجزيئات تشترك فى تكوين كائنات وجزيئات أخرى، و تظل تتبعثر هذه الذرات و الحزيئات فى هذا التجول المستمر الذى لا نهاية له بين كائنات مادية أخرى، بعضها قد يكون حيا وبعضها قد لا يكون حيا.دائما نحدد لأنفسنا أهدافا لنحققها فى المستقبل ، وأن نتنبا بحدوث أحداث ، أو نكتشف إمكانيات فى الأشياء لم نكن نعرفها من قبل .. إلا أن ما يتحقق من أهداف أملنا فيها ، وأحداث تنبئنا بها ، وأمكانيات توقعناها ، قليل وهو يدخل فى علاقه ما بين كل هذه الامكانيات والواقع .. فالامكانية هى قدرة المادة على أخذ أنماط مختلفة ، وذلك فى أثناء عملية التطور ، و ذلك أن كل كائن مادى يستطيع التحول إلى كائن آخر ، و ذلك عند توافر شروط هذا التحول و هذه العملية ليست قاصرة على هذا الكائن أو ذاك ، وإنما هى عملية شاملة لكل الأشياء والظواهر والعمليات. والتى بسبب كل هذا يحتوى كل شىء فى حد ذاته على إمكانيات عديدة لمصيره المستقبلى .. ويبقى بعد ذلك اتجاه التطور الذى يتوقف على شروط معينة ، وحين يتحقق فأنه يصبح واقعا ... فالجزيئات العضوية تطورت و أصبح لها من الخصائص الجديدة، مما أتاح لها الترابط سويا ، والتفاعل فيما بينها لتكون الأجسام الحية ، بفضل توافر شروط بيئية معينة ، فامكانية هذا التطور كانت كامنة فى هذه الجزيئات ، ولم تكن لفترة طويلة تشكل واقع ما ، الا إنها تحولت إلى واقع فى ظل ظروف مادية أتاحت لها أن تصبح واقعا ، أو بمعنى آخر تحققت الامكانية فاصبحت واقعا.الامكانية الواحدة من الممكن أن تتحقق فى أشكال متباينة وفقا للظروف ، فالجزيئات العضوية قادرة على نقل و إستقبال الاشارات ، وذلك عبر الجهاز العصبى ، وكذلك تستطيع الدوائر الكهربية والإلكترونية من خلال الأسلاك والمقاومات والمكثفات ، وإن كانت الحياة قد ظهرت على الأرض على أساس مركبات الكربون ، فما الذى يمنع من وجودها على أساس مركبات أخرى فى ظل ظروف أخرى ، ذلك ان أشكال تحقق الامكانية تتوقف على الظروف المحيطة بالشىء المتحول ، والامكانية لا ترتبط فحسب بالضرورة ، وإنما ترتبط كذلك بالظروف العارضة ، التى قد تحول إمكانية ما إلى واقع ، أو تعيق هذا التحول أو تحبطه .. وبالتالى فأن كلا من الضرورة والصدفة تحددان الامكانية من حيث تحولها إلى واقع أو عدم تحولها.إن ما سبق ذكره لا يعنى إمكانية تحول كل مستحيل إلى إمكانية ، وفى نفس الوقت فالمستحيل الأن قد يصبح ممكنا لو تبدلت الظروف ، فهناك مستحيلات كانت منذ 50 عاما ومنها صعود الانسان إلى الفضاء ، الا أن هذا تحقق مع إكتشاف المحرك النفاث ، وهل كان تعقل إمكانية صنع كومبيوتر حى منذ بضع سنين ، الا أن هذا أصبح واقعا الآن ، حيث تم إبتكار كومبيوتر يستخدم البروتين فى نقل وتخزين المعلومات شأنه فى ذلك شأن المخ البشرى .. الا إنه توجد مستحيلات لا يمكن تحقيقها لعدم توافقها مع الضرورة المادية التى تحكم الكون .. مثل ذلك إستحالة تحقيق خلود أبدى لأى كائن مادى .. وإستحالة تحرك جسم له كتلة بسرعه الضوء والا تحول هو نفسه لضوء. وبالرغم من تحول الامكانية إلى واقع .. الا إننا لا يجب أن نعتبر كل ما هو ممكن واقعا ، فلو كان هذا صحيحا لما كان هناك تطور فى الوجود ، وأيضا فنحن لا نستطيع اعتبار كل شىء ممكنا سواء فى ممارستنا العملية ، أو تحديد أهدافنا حيث إن كثير من الامكانيات إما هى مستحيلة لأنها لا تتفق والضروره ، أو إنها إمكانية شكلية مجردة لأن الظروف الموضوعية فى اللحظة التى نعيشها ، لا تمكنها من أن تصبح واقعا ، فعلينا أذن الأعتماد فى ممارستنا العملية على معرفة الامكانية الحقيقية التى تتفق والضرورة ، والتى من الممكن حسب الظروف الواقعية تحويلها إلى واقع.فصفات الجزيئات الحيوية تتحدد بشكلها و مكوناتها كما و نوعا ، وهو ما يعطيها خواصها ، و يوجد قانون عام يحكم هذه الجزئيات ، وهو أنه كلما تعقدت تركيباتها من حيث عدد الذرات الداخلة فى هذا التركيب ، وأنواع هذه الذرات ، وطريقة انتظامها وترتيبها داخل الجزىء ، يؤدى ذلك إلى تعقد الجزىء ، واكتسابه صفات نوعية جديدة أكثر تعقداً وتنوعا من الجزئيات الأبسط ، فلو لم يحدث تفاعل كيميائى بين ذرات أبسط لتكون جزيئات أبسط ، وبين هذه الجزيئات و الذرات الأبسط ما تكونت الجزيئات الأعقد بصفاتها المختلفة نوعيا عن الجزيئات الأبسط ، وذلك فى ظل توافر شروط معينة للتفاعل من درجة حرارة و رطوبة و اشعاع و غلاف غازى ... و قد علمنا إن تكون الجزيئات بسيطها و معقدها تعتمد على ضرورة احداث توازن كهربى بين أيونات الذرات المختلفة الشحنة ، ولا يمكن للجزيئات أن تتكون وفق ضرورة أخرى ، وبالتالى لا يمكن أن يكون لها هذه الصفات ، وإن كان هناك كثير من الجزيئات المتنوعة فى الكون بأسره ، والتى تكون كل أجسام الكون ، الا إنها لا تملك هذه الصفات كونها لا تتركب من هذه المواد و بنفس العدد و الترتيب مما يؤكد على أهميه كل هذا لاكتساب هذه الصفات ، وبالطبع فاذا كانت أشكال الحياة المعروفة لدينا عمرها أكثر من 3.5 مليار سنة ، الا أن هذه الأشكال الأرقى من الحياة أستطاعت أن تترك أثاراً عليها، فى صور حفريات، فانه لابد و أن عملية نشوء الحياة، و وصولها إلى مستوى الخلايا البدائية ، تم عبر مرحلة طويلة من المراحل الانتقالية والوسيطة ، الا أنها لم تترك لنا أثراً يذكر عليها، فى مراحل أقدم من الثلاث بلايين ونصف من السنين.الكائنات الحية هى نمط أرقى من الكائنات المادية ، وهى أكثر تعقيداً فى التركيب والحركة ، تلك الحركه المسماة بالحيوية ، والمرتبطة بهذا النمط ، والتى تعتمد بدورها على تبادل الفعل الكيميائى بين الجزيئات الكيميائية، الذى يعتمد على تبادل القوى الكهرومغناطيسية ، والذى يربط بين العديد من أنواع الجزيئات العضوية شديدة التنوع فى وظائفها ، شديدة التنوع فى تركيبها ، و تعقد أشكالها ، مكونة كائنات مادية إنتقالية ما بين المادة غير الحية والمادة الحية ، كالفيروئيدات والفيروسات و الأولى عبارة عن ح ن د والثانية عبارة عن ح ن د مغموسة فى جزيئات البروتين .. والتى تتصف بالكثير من صفات المادة الحية بالاضافة إلى الكثير من صفات المادة غير الحية .. و قد تمكن العلماء من التوصل معمليا إلى تصنيع هذه الكائنات المادية فضلاً عن تصنيع كل الجزئيات العضوية ، والتى تكون بترابطها الكائن الحى ، والتى نعلم إنها تكونت فى مراحل متعددة ، وفى ظل ظروف معينة ، ومن خلال ارتباطات معقدة ، خلال الملايين من السنين كونت الخلايا الحية نتيجة عمليات التطور من البسيط إلى المعقد ، ومن الأدنى إلى الأرقى .. نتيجة تفاعل هذه المواد و البيئه الخارجية ، وهذا ما سنتناوله فيما بعد .وقد توصل العلماء لمعرفة تركيب هذه الخلايا ، وكيف أن تفاعل هذه المكونات تشكل كافة العمليات الحيوية فى الجسم الحى من نمو و تكاثر و حركة و احساس، سواء فى الخلية أو الكائن الحى المتعدد الخلايا ، وكيف أن تأدية هذه الوظائف تشكل كافة العمليات الحيوية فى الجسم الحى ، وقد حدثت طفرة علمية هائلة فى هذا القرن ، بالتوصل لتصنيعها معمليا وصناعيا ، وإستخدامها فى الغذاء والدواء والصناعة والزراعة ، وفى نفس الوقت تم التوصل إلى معرفة تركيب الانواع المختلفة من الخلايا الحية والتوصل لتصنيعها معمليا، وما يتركب من هذه الخلايا من أنسجة مختلفة ، تتناسب مع وظائفها ، وأعضاء الكائنات الحية ، وكيف تؤدى دورها فى العمليات الحيوية ، والتى هى تجسيد الحركه الحيوية أرقى أشكال الحركة والتى تميز الكائن الحى ، الا ان العلم مازال أمامه الطريق طويل لمعرفة المزيد من أسرار هذه الحركة المجهولة لدينا حتى الآن .لا شك إن أحدث علوم هذا القرن المعروف بالسيبرنتيكا ، والذى يربط بين دراسه علم الاتصالات العصبية الحية و علم الاتصالات اللاسلكية ، و دراسة عمليات الاتصال فى كل من الكائنات الحية وغير الحية ، و وسائل التحكم من بعد و من قرب ، و بشكل مباشر وغير مباشر ، فى كل من الحيوان والآلآت .. والاستفادة من قوانين العمليات الحيوية فى الجسم الحى ، وتطبيقها فى الهندسة والتكنولوجيا ، والتأثير فى العمليات الحيوية بعد معرفه أسرارها يؤكد إلى حد اليقين وحدة العالم و ماديته بما فيه المادة الحية ، ومادية ما بها من عمليات و أجهزة تقوم بنفس الوظائف والعمليات .. حتى و لو كنا مازلنا عاجزين عن معرفه بعض الأسرار الجزئية عن المادة الحية الا أن خطوطها كلها أصبحت فى أيدينا ، وهى تؤكد لنا طابعها المادى .. فكل ما فى الكائن الحى من عمليات .. تقوم بها أجهزة مادية من صنع الإنسان من إحساس و تفكير و رد فعل ذاتى ، وذاكرة، وتحليل و ربط ، و تحكم واتصال مثال ذلك أجهزة الكومبيوتر ، والبشر الآليين ، و أجهزة التحكم عن بعد و عن قرب ، والاتصالات والتصنت والتصوير .. الخ الخ.

موجز تاريخ المادة والوعى(7) قانون البنائية

موجز تاريخ المادة والوعى(7) قانون البنائية
سامح سعيد عبود
يبقى لنا معرفة تأثير شكل الذرات داخل الجزىء على طبيعة الجزىء وخصائصه ، وقبل هذا علينا أن نعرف أن الذرات تترتب داخل كل الجزىء، وفق شكل معين يفسره قانون البنائية.يتجلى لنا قانون البنائية فى عالم الجزيئات كما فى عالم الذرات، ففى الذرات نلاحظ ظاهرة مهمة هى ظاهرة الأيزوبارات ، وهى ذرات لها كتلة واحدة أى إنها متساوية فى مجموع البروتونات والنيوترونات ، ولكنها تختلف فى شحنة النواة أو العدد الذرى أى عدد البروتونات ، وهو الذى يحدد الخواص الطبيعية والكيمائية للعنصر ، ويميزه عن غيره من العناصر ، وبالتالى فان هذه العناصر تختلف فى الخواص الكيميائية ، على سبيل المثال البوتاسيوم الفلز النشط للتفاعل و الأرجون الغاز الخامل.وظاهرة الأيزومرية أو تساوى التركيب فى الجزئيات ، و هى ظاهرة يلاحظ فيها إنه بالرغم من تساوى عدد ذرات الجزىء ، وأنواع الذرات الداخلة فى تركيبه ، إلا إننا نجدها تختلف فى خواصها الكيميائية والطبيعية ، والسبب فى ذلك يرجع إلى عدم تساوى ترتيب بناء جزيئات هذه المركبات ، اى الطريقة الذى تترتب فيه الذرات داخل الجزىء ، وهذه الظاهرة هى أحد أسباب تعدد المركبات العضوية ، على سبيل المثال فأن كلا من جزىء هرمون التستستيرون وجزىء الكلوسترول مكونان من نفس عدد و أنواع الذرات ، الا ان تغييراً طفيفا فى ترتيب هذه الذرات داخل الجزيئين ، يؤدى لاختلاف خواصها .. وهذه الظاهرة موجودة أيضا فى عالم الجسيمات الأولية، فبالرغم من أن كلاً من البروتون و هو جسيم أساسى من جسيمات الذرة وهيبرون لامدا و هو جسيم آخر ، يتكونان من نفس عدد و أنواع الكواركات ، الا أن اختلاف بين طريقة ترتيب الكواركات داخل كل منهما أدى لاختلاف خواصهما.أما ظاهرة الأيزومرية الفراغية ، ففيها يلاحظ إنه بالرغم من أن جزيئات ذات تركيب واحد و بنية واحدة ، ولكنها تختلف فى وضع الذرات والمجموعات الذرية فى الفراغ بالنسبة لبعضها البعض ، يؤدى إلى إختلاف خواصها الكيميائية والطبيعية ، وهذه الأيزومرات منتشرة فى المركبات المعقدة سواء مركبات الكربون أو غيرها.قد يظن البعض أن الذرات تتجمع كيفما أتفق فى الجزئيات ، وعلى أى مسافات وبلا أدنى ترتيب محدد فيما بينها الا أن الواقع على العكس تماما ، فالذرات تتجمع على مسافات محددة حسب طاقة الترابط فيما بينها ، وبزاويا محددة ، ويأخذ كل جزىء شكلا معينا يميزه عن غيره من الجزيئات ، فالذرات والجزيئات ، هى بنى معقدة تأخذ أشكالا معقدة ، الا إننا مضطرون عند رسمها تبسيطها إلى أقصى حد مما يشوه صورها الخلابة . جزى ثانى أكسيد الكربون ، جزىء بسيط نجد ذراته الثلاثة ترتب فى خط مستقيم تتوسط فيه ذرة الكربون. وتوجد ذرة النتروجين فى جزىء النشادر على رأس هرم ثلاثى تشكل أركان قاعدته ثلاث ذرات هيدروجين, وفى جزىء الميثان توجد ذرة الكربون فى مركز الشكل الرابعى المنتظم ذى الأضلاع المتساوية الذى يسمى بالمعين، و التى تتواجد عند رؤوسه الأربعة أربع ذرات هيدروجين.و كل هذه الأشكال ما هى إلا لجزيئات بسيطة للغاية لا تتعدى ذراتها بضع ذرات ، فما بالك فى جزئيات معقدة تتكون من ألوف الذرات كالبروتينات والأحماض النووية ، والتى تأخذ أشكالاً غاية فى التعقد و الجمال ، والتى تعطيها فى نفس الوقت صفات غير عادية ، تختلف بها عن غيرها من الجزيئات ، وهو ما سوف ندرسه فيما بعد هذا التمهيد عن علاقة بنية الجزىء بخواصه ، وهو الضرورى لفهم مدى التنوع فى الجزيئات الكربونية ، وقبل الانتقال إلى الحديث عن تقسيماتها الشهيرة ، يجب أن نأخذ فكرة عن الجذر أو الشق ، وهو مجموعة من الذرات المترابطة فيما بينها ، والتى تنتقل أثناء التفاعلات الكيميائية من مركب إلى آخر دون أن يطرأ عليها أى تغيير ، وتعرف الجزيئات كلها ظاهرة الجذور كما تعرفها جزيئات الكربون ، الا إنه فيما يتعلق بها فهى تلعب دوراً أساسيا فى تكوينها ، وتحديد خواصها فضلاً عن تنوعها ، وقدرتها على الترابط فيما بينها فى سلاسل ، أو الربط بين جزيئات أخرى فى سلاسل وهو ما يساهم فى التنوع المذهل فى جزيئات الكربون . وإذا كانت مجموعة الهيدروكسيل "أيد" تشكل مجموعة هائلة من الجزيئات ، فان الجذور الهيدروكربونيه تشكل مجموعة هامة من جزيئات الكربون ، ومجموعه الهيدركسيل تتكون من ذرتى أكسجين وهيدروجين ، فان مجموعات الهيدو كربونات تتكون من ذرات الكربون والهيدروجين. والجذور تتميز وهى فى حالتها الحرة أى فى حالة كونها غير مرتبطة بأى جزىء آخر ، بتكافؤ حر يسببه إلكترون واحد ، ولذلك فأنها تكون ذات قدرة عالية جداً على التفاعل ، ومن هنا فهى لا تعيش مستقلة سوى فترة قصيرة جداً ،وهى لذلك تلعب دوراً هاما فى الكثير من التفاعلات الكيمائية التى تميز الجزئيات العضوية.إذا كانت جميع العناصر تتفق فى كونها تتكون من ذرات من نفس النوع ، أو من أنواع مختلفة ، فأن هاتين الصفتين هما ما يمكن أن نطلق عليه العام بين العناصر والعام بين الجزيئات ، حيث العام هو الخاصية المشتركة بين مجموعة من الظواهر المختلفة ، فتكون العناصر من ذرات من نفس النوع هو صفة عامة موجودة بكل العناصر ، وذلك بشكل موضوعى مستقل عن أى وعى ، وكذلك ما هو عام فى الجزيئات المكونة بدورها من ذرات متشابهة أو مختلفة.وهذه العمومية تحدد فى هذه الخاصية الواحدة التى تتمتع بها سائر العناصر أو سائر الجزيئات ، الا أن كل العناصر برغم إشتراكها فى صفة عامة فيما بينها فهى تختلف أيضا فيما بينها فى خواص أخرى .. فيتميز و ينفرد كل عنصر بخواص تميزه كعنصر على حدة ، فكل ظاهرة أوعملية أو شىء فى الواقع ، يتسم بخواص أو صفات تميزه عن غيره من الأشياء أو العمليات أو الظواهر ، وهو ما نطلق عليه الفرد، الا إننا فى نفس الوقت قد نطلق على مجموعة من الظواهر والعمليات والأشياء صفة الفرد إذا قارناها بأشياء أكثر شمولاً منها وتحتويها ، كما لو قارنا بين الفلزات كعناصر تتميز بخواص معينة ، وسائر العناصر الأخرى ، أو لو قارنا بين الأحماض كجزيئات لمركبات ، تتميز بخواص محددة و سائر الجزيئات للمركبات الأخرى وهو ما يمكن أن نطلق عليه الخاص ، والذى يشكل حلقة الوصل ما بين الفرد والعام ، فالخاص يبدو عاما بالنسبه للفرد، فالأحماض مثلاً عامة بالنسبة لحمض الكبريتيك، و بالنسبه للعام تبدو الأحماض فريدة بالنسبه لسائر الجزيئات، والفلزات مثلاً عامة بالنسبة للحديد الفرد ، وبالنسبة للعام تبدو الفلزات وحيدة بالنسبة لسائر العناصر.وفى الحقيقة إن كل من الفريد والخاص والعام موجودون بشكل موضوعى فى شتى الظواهر والعمليات والأشياء ، ولا يمكن أن ينفصل أى منهم عن الآخر ، فسيظل الحديد رغم فرديته يحتوى على صفات سائر الفلزات الخاصة من توصيل جيد للكهرباء والحرارة ، واللمعان .. الخ الخ ، وسيظل رغم فرديته يحتوى على صفات سائر العناصر الخاصة من حيث تكونه من ذرات.ومن ناحيه أخرى فأن العام يشمل كل الاشياء الفريدة ، فالعناصر أو العام تضم كل الـ107 عنصر المكتشف حتى الآن برغم خصائص كل منها الفريدة ، ولا يمكن الحديث عن العام فيها بدونها جميعا ، كما أن هذه العمومية موجودة فى كل عنصر على حدة ، كما ان الخصوصية الفلزية موجودة فى كل فلز على حدة ، إننا لا يمكن أن نفهم العنصر الفرد ، الحديد مثلاً ، دون الأخذ فى الاعتبار علاقاته بالعناصر الأخرى ، خصوصيته كفلز وعموميته كعنصر ، الا إن العمومية أى العنصريه لا تفسر لنا كل خواص الفلزات ، ولا خواص الحديد الفردية ، فليس كافيا أبداً أن نتحدث عن الحديد على أنه عنصر و كفى ، ولا على إنه فلز و حسب ، حيث إن له من الخواص ما يجمعه مع أشياء آخرى ،ومن الخواص ما يملكها منفرداً و تميزه عن غيره ، وفى نفس الوقت فنحن لا يمكن أن نفهم الفرد أو الخاص الا من خلال دراسة أعداد كبيرة من الظواهر لنعرف ما هو عام او خاص أو فريد بينها ، إن كل ما قد سبق ذكره ينطبق كذلك على الجزيئات كما ينطبق على سائر أنماط المادة من الجسيمات الأولية حتى المجتمع البشرى ، حيث يشكل الجزىء مفهوما عاما فى كل أنواع الجزئيات الخاصة ، من كربونية وغير كربونية ، من حمضية وقاعدية ، كما أن الملايين من أنواع الجزيئات تنفرد بخصائص تميز كلاً منها على حده ، الا ان كلاً منها يتميز بجانبها بخصائص الجزئيات العامة ، كما يتميز كذلك بصفاته الخاصة.المعرفة عملية تصل بنا إلى العام من خلال ملاحظة مجموعة من الظواهر الفريدة ، وذلك من خلال دراستها منفردة لنكتشف ما هو عام بينها ، وفى الطريق إلى العام ، نمر على الخاص باعتباره يخص مجموعة فرعية من تلك الظواهر ، مثلما نصل لتصور عام عن الأشجار بكونها تتكون من جذور وسوق و أوراق و أغصان و أزهار ، من خلال دراسة كافة الأشجار ، مارين فى ذلك على أشجار الفواكهة والزينة والأخشاب.فى الحقيقة أن الواقع عبر تطوره يتحول فيه الفريد إلى عام ، ففى البدايه لم يكن هناك سوى عنصر واحد هو الهيدروجين ، وهو فى هذه الحالة عام كعنصر بالنسبة للفريد الا وهو ذرات الهيدروجين ، ولا يجب أن ننسى نظائر الهيدروجين كخاص ، و خلال عملية التطور أصبح الهيدروجين العام سابقا إلى فريد بالنسبه لسائر العناصر ، وهكذا نخلص إلى أن ما هو فريد بالنسبه لما هو أكثر عمومية قد يكون خاصا أو عاما بالنسبة لمجموعة أخرى من الظواهر التى تتشابه معه ، كما أن ما هو عام بالنسبة لمجموعة من الظواهر قد يكون خاصا أو فريداً بالنسبه لمجموعة أشمل من الظواهر والأشياء والعمليات.هذه العلاقه المتبادلة بين العام والخاص والفريد ، والانتقال فيما بينهم فى كلا الاتجاهين تساعدنا كثيراً على فهم الواقع و من ثم السيطرة عليه و تغييره ، فعلينا عند دراسة أى ظاهرة الاقتصار على ما هو عام فيها ولا عن ما هو فريد بها ، فكل فريد يوحده مع غيره قانون عام يوجد بشكل موضوعى فى كل الظواهر التى ينطبق عليها ، ولابد لنا أن نفهمه ، كما أن كل عام أو خاص لا يتواجد مستقلاً عن الظواهر الفريدة ، التى يشملها ، فذرية العناصر عند معرفتها تجعلنا لا نتعامل معها على إنها أجسام أو جسيمات أولية ، كما أن فلزية الحديد لا تجعلنا نتعامل معه كما نتعامل مع اللافلزات ، كما لا يمكننا أن نقصر فهمنا و تعاملنا مع الحديد على أساس ذريته أو عنصريته ، و الا حرمنا أنفسنا من الكثير من المعلومات عنه فيما يتعلق بفرديته ، ولعجزنا بالتالى عن فهمه و من ثم الاستفادة منه بالتأثير عليه.فيما سبق قد ذكرت أن القانون يعكس ما هو عام فى الظواهر ، ولذلك تظل كل ظاهرة منفردة أثرى من أن يحتويها قانون بالكامل ، فالظواهر والأشياء والعمليات تتشابه و تختلف فى نفس الوقت ، وما تتشابه فيه بشكل دائم و قوى هو ما يمكن أن يعكسه القانون ، وبالطبع فأننا نستطيع دائما أن نلاحظ بين أى مجموعة من الظواهر ما هو مشترك فيها ليعكسه قانون ما بالرغم من التباين الشديد فى كل ظواهر الواقع التى لا تتشابه تماما، فالحديد أو أى عنصر آخر لا يتواجد فى صوره نقية متماثلة الا فى خيالنا ، إذا تختلف ذراته فيما بينها من كونها مشعه أم غير مشعه ، نظيره ، ومن كونها فى حالة إتحاد مع غيرها أم مع ذرات من نفس النوع أم فى صورة منفردة ، ومن كونها مستثارة أم هادئة ، من كونها ممغنطة أم غير ممغنطة و هكذا ، إلا إنه بالرغم من هذا التباين الا أن كل مجموعة من الظواهر لابد و أن تتشابه فى مجموعة من الخواص ، فذرات الحديد أينما كانت لابد وأن تتكون من 26 إلكترون و26 بروتون و26 نيوترونهل توجد مصادفات؟حتى هذه اللحظة كنا مازلنا على عتبة الذرة ، حيث القشرات التى تتواجد بها الإلكترونات ، وآن لنا أن نطرق باب أنوية الذرات ، و التى تتركز فيها كتلة الذرة ، وبمقارنة حجم النواة وحجم الذرة فان هذا سيكون أشبه بمقارنتنا عملة معدنية صغيرة بدائرة يبلغ قطرها كيلو متر ، ففى الحقيقة أن الوجود الذى نعرفه الآن شفافا جداً للاشعاعات ، فتكونه من ذرات تتركز كتلتها فى النوى الصغيرة بالنسبه للفراغ الشاسع للذرة ، التى تتواجد فيها الإلكترونات فى مستويات طاقاتها المختلفة، والمسافات الشاسعة بين النجوم و الكواكب والمجرات يؤكد هذة الحقيقة.ولعل أول ما سيقابلنا من حقائق حول النواة ، إنها تبدو لنا أحيانا ، كقطرة سائلة فى لحظات إستثارتها ، وأحيانا أخرى تبدو لنا كبناء معقد من القشرات شأنها شـأن الذرة ، وذلك فى لحظات هدوءها ، و لعلك لاحظت ان هذا ثانى إزدواج فى طبيعة كائن مادى قد عرفته خلال رحلتك عبر الطبيعة حتى الآن ، فقد كان الازدواج الأول هو الطابع (الجسمى /الموجى) للجسيم الأولى ، فالأزدواجية فى طبيعة الكثير من الكائنات المادية هى دليل على التركيب المعقد لهذه الكائنات المادية مهما صغرت ، مما يجعل جوهر هذه الكائنات المادية المعقدة ، يفصح عن نفسه فى مظاهر متنوعة ومتناقضة ، فطبيعة النواة فى كلتا حالتيها ، تتوقف على طبيعة العلاقات المتبادلة بين مكوناتها الداخلية والمؤثرات الخارجية عليها ، فلو كانت هذه المكونات تتمتع بعلاقات هادئة مستقرة فانها ستسلك سلوكا معينا ، يوحى لنا بأن مكوناتها تنتظم بشكل معين كما لو كانت قشرات تلى قشرات ، وفى كل قشره يتواجد 2 بروتون +2نيوترون ، وهو ما يشكل نواة ذرة هيليوم ، أما لو كانت هذه المكونات تعانى من عدم الاستقرار فيما بينها ، فأنها ستبدو كما لو كانت قطرة سائل من النيوترونات و البروتونات المستثارة.وكما تنتظم الإلكترونات فى قشرات حول النواة تتشبع بشكل معين ، فان مكونات الأنوية الأكثر تعقيداً تنتظم فى مجموعات رباعية من البروتونات والنيوترونات ، ولذلك تتمتع الذرات التى تقبل أعداد بروتوناتها القسمة على أربعة بدرجة إستقرار عالى فى الطبيعة ، و بالتالى تتواجد بانتشار أوسع ، وهذه الحقيقة تفسر لنا لماذا يصبح أحد نواتج النشاط الاشعاعى ، نواة ذرة الهيليوم ذات البروتونين والنيوترونين ، إذ إنه فى هذه الحالة تقذف النواة المشعة بمجموعة رباعية كاملة.وكما قد عرفنا من قبل كيف أن الجسيمات الأولية ، تتحول من أنواع معينة لأنواع أخرى مختلفة تماما ، وكيف تتحلل لمكوناتها الأولية ، وكيف تتركب من هذه المكونات ، فأننا لابد وأن نعرف أن الذرات بدورها تتحلل لمكوناتها الأولية وتتركب من هذه المكونات ، وتتحول من نوع لآخر سواء بفعل الطبيعة أو بتأثير الإنسان ، سواء من خلال عمليات النشاط الاشعاعى أو التفاعلات النووية سواء أكانت إنشطار لنوى الذرات أو إندماج فيما بينها ، كما تتحلل أيضا الجزيئات لمكوناتها الأولية من ذرات و تتركب من هذه الذرات بالتفاعلات الكيميائية المختلفة.كان حلم الكيميائيين القدامى هو إيجاد حجر الفلاسفة الذى يحول المعادن الرخيصة لمعادن نفيسة ، وقد ظل هذا لديهم مجرد حلم لم يتحقق بوسائلهم غير العلمية ، الا أن الانسان أخيراً استطاع معرفه سر تحولات العناصر ، والتحكم فيها عمليا، وليس ذلك فحسب بل وقد تأكد كذلك من أن حلم الكيميائيين القدامى كان يتحقق بالفعل فى الطبيعه من حولهم دون أن يشعروا به أو يفهموا سره ، تعالوا بنا نرى كيف يحدث هذا؟النشاط الاشعاعى هو تحول تلقائى أى يحدث دون تدخل الانسان ، وذلك لنظير غير ثابت لعنصر مشع إلى نظير عنصر آخر و يصاحب عملية التحول هذه انطلاق جسيمات أولية أو نوى ذرات .. فما هى عمليات النشاط الأشعاعى؟لا تخبرنا فقط عمليات النشاط الاشعاعى ، بمدى سخف قواعد المنطق الشكلى أو الصورى و كلها مترادفات بمعنى واحد ، وهى القاضية بأن الشىء أ لا يمكن أن يتحول لشىء آخر مثل ب ، وهى القاضية أيضا بأن الشىء أ يساوى نفسه أبداً، و بشكل تام، وكأنما هو ذو جوهر ثابت لا يتغير ، الا إننا نستخلص من دراسة التحولات التى تموج بها الطبيعة ، أن الكل متغير و متحول ومتحرك ، وأن طرق هذا التغير تتنوع ، و هى تغيرات لا تمس الظواهر البادية لحواس الإنسان من الأشياء فحسب ، وإنا تمس جوهرها نفسه ، وهذا الجوهر ليس شيئا ما ثابت أو نهائى او مطلق ، وإنما هو عملية ما، و بعبارة أخرى هو شكل من أشكال الحركة الداخلية داخل الأشياء ... واليكم الطرق المتنوعة لهذه التغيرات التى تحدث للذرات من خلال النشاط الاشعاعى.أولها فقد الجسيم ألفا و هو عباره عن نواة ذرة الهيليوم ، وبهذا الفقد تخسر النواة 2 بروتون و2 نيوترون، وتتحول بذلك نواة العنصر لنواة عنصر آخر ، يختلف فى كل خواصه عن العنصر الأصلى ، حيث يقل العدد الكتلى للعنصر الجديد ب 4عن العنصر الأصلى ، وكذلك وزنه الذرى بـ2مثال ذلك اليوارنيوم الذى يتحول إلى الثوريوم وذلك بفقد الجسيم الفا أو الهيليوموثانيها فقد النواة لجسيم بيتا وهو عبارة عن إلكترون ، وهذه العملية ناتجة عن تحول بروتون إلى النيوترون داخل نواة الذرة و هذا يعنى تحول العنصر لعنصر آخر أصغر منه فى الوزن الذرى مثال ذلك اليوارنيوم الذى يتحول إلى النبوتنيوم و ذلك بفقد الإلكترون أو جسيم بيتاوثالثهما فقد النواة لبوزيترون وهو ضد الإلكترون ، وهذا يحدث نتيجه لتحول النيوترون إلى بروتون داخل نواة الذرة ، وهذا يعنى تحول العنصر لعنصر آخر أكبر منه فى الوزن الذرى بمقدار (1). مثال ذلك البولونيوم يتحول إلى البزموتورابعهما إلتقاط النواة لإلكترون من الطبقة القريبة منها فيكون من نتيجة ذلك إنخفاض عدد البروتونات ، حيث يؤدى إندماج الالكترون بالبروتون إلى تحولهما إلى نيوترون ، وبالتالى تنقص نواة العنصر بروتونا واحداً ، مما يحولها لعنصر آخر أقل بمقدار (1) فى العدد الذرى.مثال ذلك البزموت يتحول إلى رصاصوأخيراً إنطلاق كمات الطاقة الكهر ومغناطيسية أو الفوتونات ، فى صورة أشعة ذات طول موجى قصير كأشعة جاما وأشعة إكس.تحدثت فيما سبق عن عمليات الاندماج النووى بين الذرات ، والتى تؤدى لوجود ذرات أعقد، وكل ما تحتاجه هذه العملية هو توافر طاقة تتغلب على القوى التى تربط بين مكونات هذه الذرات ، وهو ما يتم بالفعل بشكل طبيعى فى النجوم أو بواسطة الانسان .. و يبقى لنا أن نعرف عملية أخرى من عمليات التحول تحدث بواسطة الانسان سواء فى التفجيرات الذرية أو فى المفاعلات النووية ، و فيها يتم توجيه قذيفة من عنصر مشع إلى نواة عنصر ثقيل كاليوارنيوم، فيتم بذلك التغلب على الطاقة الهائلة التى تربط بين مكوناتها ، وتنشطر بذلك النواة لنواتى عنصرين أخف وزنا ، ذلك أن القذيفة التى تم توجيها تتغلب على طاقة الترابط بين مكونات النواة ، وهذه هى العملية التى تحدث فى الانفجارات الذرية ، والمفاعلات الذرية ، والتى تستخدم فيها عناصر ثقيلة كاليورانيوم والبلوتنيوم.ويحدث كذلك سواء بفعل قوى الطبيعة أو بتأثير الإنسان ما يعرف بالتفاعل المتسلسل ، حيث يظهر جسيم فعال هو النيوترون الذى يسبب تحولات متتابعة للنوى غير الفعالة ، فيحولها لنوى نشطة إشعاعيا ، مما يحدث بها تحولات نتيجة نشاطها الاشعاعى الذى اكتسبته نتيجة هذه العملية ، وتقوم النيوترونات بدور الجسيمات الفعالة لأنها لا تملك شحنة كهربية ، مما يجعلها تصطدم دون أى عائق مع نوى الذرات المشحونة ، وتسبب سلسلة من التفاعلات النووية الانشطارية.لذلك فان البروتون ، الذى يود إختراق النواة من الخارج و بالأخص إذا كانت النواة ثقيلة وكثيرة البروتونات، أن يمتلك طاقة هائلة تعادل مئات الملايين من الالكترون فولت .، بينما لا يحتاج النيوترون إلى أيه طاقة للقيام بذلك . ولهذا قد تدخل النيوترونات النواة حتى إذا ما كانت الطاقة التى تحملها صغيرة ، وتعادل أجزاء من المئة من وحدة الإلكترون فولت.طرق تكون وتحلل الجزيئاتبعد أن مررنا سريعا بالطرق المتنوعة لتحول الذرات من أنواع لأخرى ، وأن هذا كامن فى التغيرات التى تطرأ على الطاقة التى تربط مكونات النواة . فعلينا الآن المرور على طرق تكون وتحلل الجزيئات ، والتى تتم عبر عمليات تجرى فيما بينها و بين مكوناتها من ذرات ، والتى تحدث بتأثير الأشكال المختلفة للطاقة الكهرومغناطيسية من حرارية وضوئية وكهربية .. الخ الخ ، وان حدوث هذه التفاعلات الكيميائية التى هى عملية تحول مواد إلى مواد أخرى تختلف فى التركيب و الخواص ، وفيها تظل الذرات على حالها دون تغيير وإنما تنتقل فحسب من جزىء إلى آخر ، فكما أن الجسيمات الأولية بكل خواصها الفريدة تتحد مع بعضها لتكون كائن مادى متميز بخواصه هو الذرة ، فان الذرات بكل خواصها أيضا تتجاذب وتتنافر كهربيا حسب شحناتها ، لتكون جزئيات تختلف عن الذرات فى الخواص تماما.فملح الطعام الأبيض البللورى ذو الطعم المالح ، مكون من ذرة الصوديوم ذلك العنصر الفلزى اللامع ، وذرة الكلور ذلك العنصر اللافلزى الغازى و قد نتج من اتحادهما جزىء ملح الطعام الصلب الأبيض اللون ، وذلك من تفاعل مادتين تختلفان فى خواصها عنهما ، هما حمض الهيدروكلوريك السائل ذو الطعم اللاذع والحارق للجلد ، وهيدروكسيد الصوديوم ذو الطعم القابض ، وقد نشا من تفاعلهما الملح والماء .. فأين ذهب كلاً من الكلور والصوديوم بخواصها فى جزىء الملح الموجود أمامك على المائدة ؟ وهل لاحظت فيه أى خاصيه من خواصها ؟ بالطبع لا .. فما حدث هو إنتاج لشىء جديد تماما يختلف عن مكونيه ، الا إننا عند تحليل الجزىء كيميائيا فسنجد أمامنا كلا من الصوديوم والكلور المختلفان ، وإننا لو حللنا محلول الملح فى الماء فسنجد أمامنا الحمض والقلوى السابق الاشارة إليهما ..مرة أخرى نلاحظ العلاقة بين الجزء و الكل أو العنصر والبنية، فالطبيعة تبنى من كل مجموعة من العناصر التى تشكل نمط ما من أنماط المادة نمطا آخر من المادة أرقى وأعقد يكون له خصائص مختلفة عن خصائص المكونات الأدنى والأبسط ، ويحدد هذا العلاقات التى ترتبط بها هذه العناصر من حيث كميتها ونوعيتها وطريقه ترتيبها فيما بينها، والعمليات التى تجرى فيما بينها ، فالجزيئات أيضا تشكل الأجسام الغير حية و الحية التى تختلف عنها فى الخواص ، وتختلف فيما بينها حسب كمية ونوعية وطريقة انتظام الجزيئات والتفاعلات التى تجرى بينها ، كما أن المجتمع البشرى بكل خصائصه يختلف عن العناصر المادية التى تكونه ، ألا وهم البشر الواعين المنتجين لاحتياجاتهم المادية ، كما يؤثر المجتمع فى طبيعة هؤلاء البشر فيمنحهم وعيا إجتماعيا يميزهم عن سائر الكائنات المادية.والأن ما هى أنواع التفاعلات الكيميائية التى تؤدى إلى هذا التنوع الهائل فى المركبات الكيميائية؟أ- تفاعلات الضم و فيها يضم جزىء ما ذرة عنصر آخر إليه ليتكون جزىء جديد ، على سبيل المثال جزىء النحاس المكون من ذرتين فى القشرة الخارجية لكل منها إلكترون واحد ، وهما بالتالى فى حاجة لقشرة مشبعة بثمانى إلكترونات ، لاحداث التوازن الكهربى المطلوب ، فينضمان إلى ذرة الأكسجين ذات الستة إلكترونات فى مدارها الأخير ليكون الجميع أكسيد النحاس فى النهاية ذو اللون الأخضر .. ويلاحظ أن النحاس النقى ذو لون أصفر.ب- تفاعلات الإبدال وفيها يتم إبدال ذرة عنصر بذرة عنصر آخر متحداً فى جزىء آخر ، بحيث تطرد ذرة العنصر الجديد ذرة العنصر القديم ، ويصح طبعا إبدال شق بشق أو جزىء بجزىء ..الخ الخ ، مثال ذلك بتفاعل ذرة الحديد مع كبريتيك النحاس ، يتولد لنا جزىء كبريتات الحديد وذرة نحاس.ج- تفاعلات التفكك وفيها يتفكك الجزىء إلى مكوناته الأبسط نتيجة تأثره بمصدر للطاقة يتغلب على طاقة الترابط التى تربط بين هذه المكونات ، مثال ذلك تفكك ثانى أكسيد الزئبق إلى ذرتى أكسجين و ذرتى زئبق ، و بمعنى أدق جزىء أكسجين و جزىء زئبق.د- تفاعلات التبادل و فيها تتبادل الجزيئات شقوقها أو ذراتها ، فيتكون جزيئات جديدان ، مثال ملح كلوريد البوتاسيوم المتكون من ذرة بوتاسيوم وذرة كلور بتفاعله مع حمض الكبربتيك المعروف بماء النار و المتكون من ذرتى هيدروجين و ذرة كبريت و 4 ذرات أكسجين ، يتكون لدينا حمض الهيدروكلوريك المتكون من ذرتى هيدروجين و كلور ، و ملح كبريتات البوتاسيوم المتكون من ذرة بوتاسيوم و ذرة كبريت.هـ- تفاعلات الأكسدة و فيها تتخلى ذرات أو جزيئات المادة المتأكسدة عن الإلكترونات ، وانضمام هذه الإلكترونات إلى ذرة أو جزىء لمادة أخرى ، أما تفاعلات الاختزال فهو تفاعل كيميائى معاكس للأكسدة ، و فيه تضم الذرة أو الأيونات الإلكترونات من المادة المؤكسدة إليها باعتباره مادة مختزلة ، أى أن العمليتان مترابطتين ومتضادتين فى الاتجاه ، وأن هذا التناقض الجلى بينهما تجد جذوره الأعمق فى إختلاف الشحنات الكهربية و ما تسببه من تجاذب الأجسام التى تحملها ، أو تشابهها وما يسبب هذا من تنافر للأجسام التى تحملها ، ففى هاتين العمليتين تنتقل الإلكترونات من ذرة إلى أخرى ، مثال تفاعل ذرتى ماغنسيوم مع ذرة أكسجين .. يؤدى إلى إنتقال إلكترون من كل ذرة ماغنسيوم إلى القشرة الخارجية لذرة الأكسجين ذات الستة إلكترونات فى قشرتها الخارجية.. ليتكون لدينا جزىء أكسيد الماغنسيوم.فتحدث فى نفس اللحظة عملية أكسدة الماغنسيوم مضادة لعملية إختزال الأكسجين .. ففى كل هذه التفاعلات يحدث تغيير فى توزيع الشحنات بين الأيونات.و- تفاعلات ماصة للحرارة وهى التى يصاحبها إمتصاص للحرارة ، وتفاعلات ناشرة للحرارة ، والتى يصاحبها انتشار للحرارة ، الأولى مثالها التفاعل الكيميائى بواسطة الضوء فى النباتات ، ومن هنا نلاحظ الأثر الملطف لدرجة الحرارة عند وجود النباتات ، والثانية تفاعل احتراق الفحم وتأكسده و من هنا استخدامه للتدفئة.ز- تفاعلات متعاكسة تجرى فى إتجاهين متعاكسين كتفاعل الهيدروجين مع النتروجين لتتكون الأمونيا ، وتتحلل الأمونيا إلى النتروجين والهيدروجين، وتفاعلات لا متعاكسة و فيها تتحول المواد الأصلية إلى نواتج لا تتحلل لمكوناتها.ر- التفاعل الكيميائى الضوئى وهو ينشأ بفعل الضوء باعتباره أحد أنواع الطاقة الكهرومغناطيسية ، مثال ما يحدث فى النباتات ، و تفكك بروميد الفضة فى الضوء و هو ما يستخدم فى أفلام التصوير.ق- تفاعلات البلمرة وهو تفاعل كيميائى تتحد بموجبه جزيئات متساوية مع بعضها ، وتشكل جزئيات معقدة ذات كتلة جزيئية كبيرة ، و يتصف ناتج البلمرة أى ما يسمى بالبوليمر بأن تركيبه يماثل تماما تركيب المادة الاصلية أى الجزىء البسيط الذى شكل وحدة بناء البوليمر ، هذا الجزىء البسيط بتراكمه كميا أدى لجزىء من نوع آخر يختلف عنه فى الخواص ، ومع كل تراكم جزىء بسيط يضاف للبوليمر تنتج لنا مادة جديدة مختلفة فى خواصها عن سابقتها وهكذا ، وبالرغم من تعدد أفراد عائلة البوليمر الا إنه لا يوجد أثناء البلمرة مواد أخرى غير جزيئات البوليمر ... كما توجد كذلك بلمرة مشتركة يشترك فيها عدة أنواع مختلفة من الجزيئات ، وتتكون من نتيجة ذلك بوليمرات مشتركة ، وهى تسمح بالحصول على بوليمرات مختلفة ومتعددة الخواص.ى- التفاعلات المتسلسلة و هى كما تحدث فيما يتعلق بالتفاعلات النووية ، فأنها تحدث أيضا فى التفاعلات الكيميائية حيث يظهر جذر حر ، أو ذرة حرة تساعد على احداث سلسلة من التفاعلات المتوالية ، و بالتالى تحولات للجزيئات ، ذلك لأن إصطدام الجذر الحر مع الجزىء ، يسبب انقطاع أحد الروابط فى هذا الأخير ، وتتكون نتيجة لذلك رابطة كيميائية جديدة ، و جذر حر جديد يتفاعل بدوره مع جزىء آخر وهكذا.ك _ التفاعلات الأيونيه لأن التفاعل الكيميائى يتم بسبب الطاقة الكهرومغناطيسية ، فأننا لا يمكن فهمه إلا فى إطار الشحنات السالبة و الموجبة و العلاقة بينهما ، وهو ما يمكن فهمه فى اطار النظرية الأيونية و التى تفسر التفاعلات الأيونية ، وقد سبق ايضاح ماهيه الأيونات .. أما التفاعلات الأيونية فتتم بين الأيونات فى المحاليل ، فتفاعل نترات الفضة مع كلوريد الصوديوم ، وهو ما يؤدى إلى نترات الصوديوم و كلوريد الفضه ، يمكن أن يفهم بأن أيون الفضة الموجب الشحنة حيث يتواجد فى قشرة ذرة الفضة الخارجية إلكترون واحد ، و لسهولة انفصاله عن هذه القشرة يتكون الأيون الموجب حيث تزيد شحنات البروتونات الموجبة عن شحنات الإلكترونات السالبة بما مقداره (1) ، هو نفسه الإلكترون المنفصل عن ذرة الفضة ، هذا الأيون ينفصل عن أيونات النترات السالبة التكهرب ، حيث تزيد فيها الشحنات الكهربية السالبة للإلكترونات عن الشحنات الموجبة للبروتونات و فى نفس الوقت ينفصل أيون الصوديوم (الموجب) حيث ذرته ذات إلكترون واحد فى القشرة الخارجية ، عن أيون الكلور السالب الذى له ثمانى إلكترونات فى قشرته الخارجية ، وهو لذلك يكون أيون سالب باكتسابه إلكترون فى حين تكون ذرة الصوديوم أيون موجب لفقدها للإلكترون ... وتنفصل الأيونات بفعل طاقة أعلى من طاقة ترابطهم لتكون جزيئين جديدين ، بتفاعل أيون الفضة الموجب مع أيون الكلور السالب مكونين كلوريد الفضة ، وأيونات النترات مع أيون الصوديوم مكونين نترات الصوديوم.إن كل هذا التنوع فى التفاعلات الكيميائية بشكل عام ، وما يؤدى إليه من تنوع لا نهائى فى الجزيئات ، ومن ثم المركبات تحكمه فى النهاية ضرورات طبيعية سواء أكانت تتم بشكل تلقائى أو بتدخل من الانسان ، فالسبب الكامن وراء أى تفاعل كيميائى هو تغييرات فى الطاقة الكهرومغناطيسية فى أى صورة من صورها من حرارية أو ضوئية أو كهربية ، وهذه التفاعلات تحدث بشكل حتمى طالما وجدت المواد المتفاعلة ، والمواد الحافزة للتفاعل ، وشروط التفاعل ، وأهمها الطاقة المؤثرة لاحداث التفاعل .. الا أن فهم التفاعلات الكيميائية فى ضوء وجود سببية شرطية شاملة بالنسبة لجميع الأشياء والظواهر والعمليات بالرغم من صحته ، الا إنه ينقصه فهم العلاقة بين الضرورة والصدفة .. فبدون فهم هذه العلاقه لا يمكنا فهم كيف تعمل القوانين و كيف تحدث التفاعلات وما تؤدى إليه من تغيرات واقعية .. فمن الصحيح أن الواقع بكل ما فيه تربط بين أجزاءه علاقات موضوعية تجسيداً للضرورة الكامنة فى طبيعة هذا الواقع ، وهو ما يسبب حتمية القوانين التى تعبر عن هذة الضرورة ، تلك الضرورة التى تعبر عن جوهر الأشياء ، أى طابع العمليات الداخلية التى تكونها ، حيث أن جوهر أى شىء هو عملية بين أشياء أخرى تكونه كما و قد سبق إيضاحه ، والضرورة لذلك لابد و أن تفصح عن نفسها كلما توافرت لها شروط ذلك الافصاح ، بصرف النظر عن أى وعى أو هدف أو إرادة ، والضرورة ليست فرض ميتافيزيقى أى قادم من وراء الطبيعة ، وإنما هو فرض علمى دللت عليه ممارسات البشر العملية ، فتواتر حدوث ظاهرة ما بشكل موضوعى ، ثم الملاحظة المحايدة لهذا التواتر لابد وان تؤدى بنا إلى إستنتاج أن ضرورة ما تؤدى إلى هذه الظاهرة المتواترة.إذن فأنه فى مواجهة الضرورة توجد المصادفات ، والتى هى أحداث غير ثابتة و لا متواترة الحدوث ، وليس لها أى علاقة بجوهر الأشياء والعمليات والظواهر ، فالأحداث العرضية قد تحدث أو قد لا تحدث ، وعندما تحدث قد تحدث فى شكل ما مرة و مرة أخرى بشكل آخر ، كمصادفة نجاة إنسان من الموت من جراء سقوط حجر أمامه مباشرة إذ لو كان أسرع فى مشيته خطوة لكان قد لقى الموت حتما، وإذا كانت الضرورة كامنة فى طبيعة الأشياء ، فأن المصادفات لا تكمن فى طبيعتها.فالضرورة تعنى حتمية تكون ثانى أكسيد النتروجين عند تفاعل حمض النيتريك المركز مع اللافلزات أو الفلزات الضعيفة ، فتفاعل ذرة فوسفور مع خمس جزيئات من حمض النيتريك المركز تؤدى إلى تكون جزىء حمض أورثوفوسفوريك و خمس جزئيات ثانى أكسيد النتروجين وجزىء ماء ، هذا هو ما تفرضه ضرورة التوازن الكهرومغناطيسى بين أيونات الفوسفور الموجبة و أيونات الحمض السالبة ، و إنها بالتالى لابد و أن تحدث فى كل مرة، تتواجد فيها المواد المتفاعلة ، و توافر كافة شروط التفاعل مع عدم وجود العوامل المعيقة أو المحبطة للتفاعل .. أما المصادفة فهى أن تتفاعل ذرة بعينها من ذرات الفوسفور مع جزيئات بعينها من جزيئات حمض النيتريك ، و المصادفة أن تجد الذرات الداخلة فى التفاعل توافر شروط التفاعل لديها فيتم التفاعل فيما بينها ، و المصادفة هى عدم توافر شروط التفاعل ، أو وجود عوامل معيقة للتفاعل أو محبطة له فلا يتم التفاعل بينها .. فحدوث المصادفة خارج عن عملية التفاعل نفسها ، وعن الضرورة التى تسببها بشكل حتمى، فالتفاعل لن يتوقف لأن ذرة بعينها دخلت التفاعل أو لأن ذرة أخرى من ذرات الفوسفور لم تدخل فيه، وحمض النيتريك كما يتفاعل مع أى ذرة للفوسفور ، فأنه يمكنه كذلك التفاعل مع أى فلز آخر ، فلا توجد أدنى ضرورة ، ومن ثم أدنى حتمية فى أن تتفاعل ذرة معينة بجزىء معين.