الجمعة، 26 ديسمبر 2014

كيف تنجح التعاونية فى الانتصار على الرأسمالية من داخل اقتصاد السوق؟

كيف تنجح التعاونية فى الانتصار على الرأسمالية من داخل اقتصاد السوق؟
سامح سعيد عبود
         قدمت روزا لوكسمبرج عدة دفوع قوية وموضوعية للتقليل من أهمية دور التعاونيات فى تجاوز الرأسمالية، فضلا عن أن تكون بديلا عنها،  و أكدت عجزها عن الانتصار عليها، لتغلق باب التفكير فى إبداع الطرق العملية لإزالة العقبات أمام نجاح التعاونية وانتصارها، ليكتفى ملايين البشر المعادون للرأسمالية والحالمون بتجاوزها فى مناطحة الصخر واستنزاف طاقاتهم وحياتهم بلا طائل غير إنتاجهم مآسى إنسانية لهم ولغيرهم لا حصر لها، أنتهت دائما بإعادة إنتاج أنظمة أكثر تسلطا واستغلالا، فلا الطبقة العاملة توحدت على نطاق العالم لتحطم سلطة مضطهديها ومستغليها، و لا لديها ميل و لا عبرت عن ذلك يوما ، ولا أثبتت ولو لمرة واحدة نجاحها بهذا الشأن، وأقصى ما استطاعت أن تفعله بضع تحسينات فى أوضاعها المعيشية سمح بها الرأسماليون حينما أضطرتهم الظروف لذلك، وهم يسحبونها الآن بعد أن فقدت الطبقة العاملة الكثير من خصائصها الموضوعية التى أجبرتهم على ذلك، و التى رشحتها يوما لقيادة التغيير الاجتماعى وتجاوز الرأسمالية.
       ربما تكون التعاونيات طريق تدريجى تطورى واقعى طويل الأمد يخلوا من أى لمسات رومانسية وبطولية، ولذلك فهو غير جذاب لمن يتقمصون دور المحررين و الثوار، ولكن يمكن أن يتم اختصاره طوله لو تم التركيز عليه من قبل مناهضى الرأسمالية بدلا من النضال الحنجورى الاحتجاجى المتمركز حول السلطة السياسية والفوز بها، فحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد فى الصين انتهت لإعادة إنتاج رأسمالية أكثر توحشا مما كانت عليه الرأسمالية فى النصف الأول من القرن التاسع عشر فى انجلترا، فماذا لو كان ماو أحل التعاونية محل البندقية التى قال عنها يوما أن السلطة تنطلق منها؟، مثل هذا الحديث بالطبع لن يعجب الرومانسيون والحالمون لإنه يشكك فى عقائدهم الدينية فى ختمية قدوم يوم الخلاص الثورى العالمى، وفى قدوم المخلص المتمثل فى البروليتاريا العالمية المتحدة، لتملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا، ولتفتح الأبواب للجنة على الأرض، ويسفه دورهم فى الحياة المنسجمون معه.
       التعاونيات إما أن تكون استهلاكية لاستهلاك سلعة أو خدمة، أو إنتاجية لإنتاج سلعة أو خدمة، وكلا المجالين لا يجب أن يخضعا لنفس القواعد حرفيا حتى يتمكنا من النجاح.
       التعاونية الاستهلاكية لن تكون جذابة للمواطن المصرى وفق القانون المصرى للتعاون،  طالما اشترى منها بسعر السوق، ولا جاذبة للعضوية طالما كان العائد بالنسبة للأعضاء يستنزف بمصاريف إدارة 10 بالمئة، و فوائد أسهم 15 بالمئة، واحتياطى 20 بالمئة، وخدمة مجتمع محلى 20 بالمئة، ليتبق 35 بالمئة يوزعوا على الأعضاء بحيث يقسم عليهم  نهاية العام كل وفق ما استهلكه وهذا لا يجعل العضو يشعر بفائدة كبيرة فورية من العضوية.
      التعاونية الاستهلاكية لن تكون جذابة إلا عندما يحصل المواطن على ما يحتاجه من سلع وخدمات بأسعار أدنى بكثير من سعر السوق، وبشكل غير مؤجل لنهاية العام، بل فورا كلما أمكن، والغريب إنه كان من قواعد التعاون الثانوية، البيع بأسعار السوق، والتبرير المقدم حتى لا تستفز التعاونيات التجار، برغم انهم هم من يستفزون المستهلك الراغب فى الحماية منهم، واللاجىء للتعاونيات طلبا لتلك الحماية، والقاعدة الغريبة الأخرى هى عدم البيع الآجل  برغم إن البيع بالأقساط يسهل فى أحيان كثيرة عملية الاستهلاك للمستهلك، وعندما يكون هذا التقسيط بلا فوائد أو بفوائد محدودة فإنه سوف يكون أكثر جذبا للمستهلك، ومن هنا لابد من الاستغناء عن تلك القواعد تماما والتعامل بقدر من المرونة مع القواعد الأساسية، ليتحقق هدف التعاونية، وهو توفير السلعة أو الخدمة بسعر المنتج الأصلى للسلعة والخدمة مضافا إليه مصاريف النقل والشحن والتخزين والمصاريف الإدارية اللازمة، أى بأقل كثيرا من سعر الجملة وبشكل فورى غير مؤجل، وهو ما يجذب المستهلك لعضوية التعاونية.وهو ما يمكن على النحو التالى:
     التقليل من مصاريف الإدارة، إلا فى حدود الضرورة، والاعتماد كلما أمكن على الطوعية، أو توزيع أدوار ومهام البيع والشراء ومسك الحسابات والدفاتر على الأعضاء، فكل تلك العمليات ليست معضلات ولا هى مهن أصلا، وباستخدام التكنولوجيا التى توفرها برامج الكومبيوتر لن تحتاج إلا للقليل من الخبرات العملية و بعض التعليم الأساسى.
      فى حالة التعاونيات الاستهلاكية لا قيمة كبيرة لرأسمال ومن ثم يمكن الاستغناء عن فكرة الفائدة المحدودة على رأسالمال أو تقليلها قدر المستطاع، فما قيمة أن تأخذ ستين جنية فى العام على ألف جنية دفعتهم كقيمة للسهم فى حالة الربح، أمام ما سوف تجنيه من فوائد خفض الأسعار الناتج عن عضويتك فى التعاونية، كما يقضى القانون المصرى، ومن ثم يمكن اعتبار الأسهم نوع من أنواع الاشتراك فى الأندية الاجتماعية للاستفادة من خدماتها، أو تبرعات الجمعيات الخيرية لدعمها فى حالة تعدد الأسهم لتوسيع رأسالمال التعاونية.
       الإلتزام بقاعدة مستحدثة وهى عدم بيع السلع و لا تقديم الخدمة إلا للإعضاء، باستثناء الضرورة، وهذه القاعدة سوف تؤدى إلى توسع مستمر لرأسمال التعاونية، وهى مشروطة وفق القواعد بضرورة المساهمة الاقتصادية للعضو من جانب وتسهيلها من التعاونية من جانب آخر، لأن كل من يرغب فى الاستفادة من خدماتها سوف ينضم إليها..ومن ناحية ثانية لن تضطر التعاونية لبيع سلعها وتقديم خدماتها بسعر أقل قليلا من سعر السوق، لغير الأعضاء إلا فى حالة الضرورة القصوى لتصريف الراكد من السلع مثلا، .. بل سوف توفرها بسعر أعلى قليلا من سعر المنتج الأصلى بعد إضافة  حساب المصاريف الإدارية و فوائد الأسهم إن وجدت و من ثم سوف يصبح السعر أدنى بكثير من سعر السوق..وهذا سوف يؤدى لنتائج مهمة إنه لن يكون هناك عائد مؤجل يوزع على الأعضاء فى نهاية العام، ولن يكون هناك ضرورة لتكوين احتياطى كبير يخصم من قلب العائد، طالما تم تسهيل العضوية وتشجيعها، مما يضمن توسيع رأسالمال بشكل مستمر، فضلا عن توفير ما يخصم مقابل خدمة المجتمع المحلى طالما لن يتم البيع لغير الأعضاء أو على الأقل تقليل نسبته من العائد بشرط ثبوت البيع لغير الأعضاء.
      هناك طبعا احتمال أن تشح سلع يزداد عليها الطلب، أو تتكدس سلع لا طلب عليها، و لتلافى تلك الخطورة، لا بد أن يتم الإلتزام بشراء السلع والخدمات لصالح التعاونية بناء على استطلاع رغبات الأعضاء فى نوعية وكمية السلع والخدمات التى يحتاجونها بالفعل، كنوع من الشراء بناء على الطلب، وهو يقلل من خطر تكدس البضائع واحتمال تلفها وعدم تخطيها تاريخ الصلاحية.
      إعطاء الأولوية فى التعامل مع التعاونيات الإنتاجية لشراء السلع والخدمات التى تحتاجها، وهذا يمكن أن يكون بأسعار أقل كثيرا من أسعار السوق غير محملة بأعباء الإعلانات والتغليف ومصاريف التسويق.. وأخيرا أن تنبثق من داخل التعاونية الاستهلاكية تعاونيات إنتاجية توفر للأعضاء السلع والخدمات التى يحتاجونها، وهى تبدأ من أول التغليف والتعبئة وبعض الصناعات الخفيفة كصناعة الألبان والمربات وخلافه، وإصلاح الأجهزة وصياناتها، و وسائل نقل للبضائع وتخزينها وتوصيلها للأعضاء، و هى سوف تحدث نوع من التكامل بين التعاون الإنتاجى والاستهلاكى، و تحقق وفر فى الأسعار لصالح المستهلك.
      النتيجة  المتوقعة من توسع التعاونيات الاستهلاكية عبر السوق لو اتبعت تلك القواعد هى إفلاس الكثير من التجار والوسطاء والسماسرة نظرا لذلك، و هو ما لا يصح أن يكون محلا للشفقة فى ظل السوق المتوحش وقواعده التى لا تعرف الرحمة أصلا، ولماذا نشفق عليهم أصلا وهم لا يشفقون على المستهلكين، و لماذا نحرص على وجودهم وإزدهارهم اجتماعيا واقتصاديا، ومهنهم مهن طفيلية يمكن الاستغناء عنها تماما فى المجتمع، فهم لا ينتجون أى قيمة أو ثروة، ولا يشاركون فى صنع الفائض الاجتماعى إلا فى نهبه من المنتجين والمستهلكين، ونحن لن نمنعهم من استثمار طاقاتهم و أموالهم فيما هو مفيد اجتماعيا فى الإنتاج والخدمات الضرورية.
      بالطبع حين تتحدث عن التعاونيات الإنتاجية، ينفجرون فى وجهك كيف تدخل التعاونيات عالم المصانع العملاقة وشركات النقل والبترول الخ، وهى مجالات تحتكرها الرأسمالية والدولة بلا منازع، والكلام يبدو صحيحا على نحو صاعق للجهول، ويخرس لسان من لا يعلم، ولكن الحقيقة إنه عالميا تتدخل التعاونيات فى هذه الأنشطة بالفعل من مصانع السكر والنسيج، ومحطات توليد الطاقة وتحلية المياة و وسائط النقل الجماعى والجامعات وغيرها، عبر ما يعرف بنظام الريجى التعاونى وهو نوع من الاتحادات التعاونية العملاقة بين التعاونيات المختلفة، و هو موجود فى البلاد ذات الحركة التعاونية القوية، وهذا بالطبع غير مطروح على الحركة التعاونية الآن كهدف فى بدايتها فى بلد كمصر، ومتروك لتطورها فى المستقبل، كما أن تعونة المشاريع الرأسمالية يمكن أن يتم عبر  تغيير سياسى وضغط عمالى واجتماعى فى المستقبل، فضلا عن إنه يحدث بالفعل فى المشاريع التى يتم إغلاقها عندما يستولى عليها العمال ويديرونها لصالحهم وفق قواعد التعاون، وهى تجربة تواترت فى العديد من البلدان فى الفترة الأخيرة ومنها مصر نظرا لأزمة الرأسمالية الأخيرة فيما يتعلق بالإنتاج السلعى تحديدا.
      الأهم والأجدى عمليا أن نبدأ من ما هو ممكن فى ظل شروط الواقع الحالى، وأن نترك الصعب للمستقبل عندما تتغير الظروف، بدلا من الاكتفاء بحلم الثورة ونضالات الثرثرة والطنطنة. وما هو ممكن للتعاونيات الآن يشمل كل الأنشطة الزراعية والصناعات القائمة عليها، وفى مجالات الطاقة الشمسية وتدوير المخلفات، وفى الملابس الجاهزة والبناء وتشغيل اليد العاملة، والكثير من الصناعات المغذية للصناعة كتشكيل المعادن وصناعة الزجاج، وصناعة المكونات البسيطة للأجهزة والآلات، وتجميعها، والصناعات الحرفية المختلفة، فضلا عن معظم الخدمات الضرورية من تعليم وعلاج ومواصلات..المهم أن نفهم أن نبدأ من البسيط والأقل طلبا للتمويل و رأسالمال، ولندع التراكم يتضخم لدى التعاونيات تدريجيا، و هو كفيل لها بالدخول إلى ما هو أكبر من المشاريع الأكثر احتياجا للتمويل و رأسالمال وخصوصا عند تفعيل مبدأ التعاون بين التعاونيات.
       المشاريع الصغيرة فى مصر وهى كلها مشاريع يمكن أن تحل محلها التعاونيات، تشارك ب 80 بالمئة من الفائض الاجتماعى، ويعمل بها 70 بالمئه من قوة العمل، وهى ليست مشاريع رأسمالية فى الحقيقة حتى لو استخدمت عمل مأجور فالعمل المأجور غالبا لا يشارك منفردا بدور رئيسى فى إنتاج القيمة بعيدا عن صاحب العمل، وهى غالبا مشاريع فردية وعائلية وسلعية بسيطة أو رأسمالية بدائية، وهى نظرا لتشرذمها وتفككها ضعيفة الإنتاجية ومتخلفة تكنولوجيا، حيث لا تستفيد من امكانيات وفرص الإنتاج الكبير والتكنولوجيا المتطورة التى تحتكرها المنشئات الرأسمالية والدولة، ويمكن بتجمعها تعاونيا أن تستفيد من تلك الإمكانيات الهائلة، و أن تتطور تكنولوجيا و من ثم أن تزيد من إنتاجيتها.
       الفكرة الجوهرية فى التعاون الإنتاجى هو إن يكون العضو عامل ومشارك اقتصاديا فى رأسالمال ومنظم إداريا لمشروع يتحمل هو و شركاءه خسائره، و يستفيد هو وشركاءه من أرباحه، بعيدا عن ما ينهبه المالك الرأسمالى والمدير البيروقراطى، ومن ثم فعمل العامل التعاونى لابد وأن يكون أكثر إنتاجية من العمل المأجور الذى بدوره أكثر إنتاجية من العامل الجبرى ومن العمل العبودى، و من ثم فالتعاونية الإنتاجية لا يجب أن تستخدم العمل الجبرى أو العمل المأجور حفاظا على تلك الميزة، ومن ثم أن تسهل العضوية على من يرغب بالعمل فيها، بتسهيل مشاركته الاقتصادية فيها، وهو ما يوسع من رأسمال التعاونية ويحل جزئيا مشكلة التمويل.
      تسويق المنتج هو أخطر مشاكل المنتج للسلعة والخدمة، ومن ثم على التعاونية الإنتاجية حتى تنجح، أن تحل هذه المشكلة بخلق سوقها التعاونى الذاتى مع بداية الإنتاج الفعلى، وهذا ممكن عبر دفعها لتكوين تعاونيات استهلاكية مقابلة تستهلك سلعها وخدماتها، التى سوف تحصل عليها تلك التعاونيات بأسعار غير محملة بتكلفة الإعلانات والتغلفة والتسويق، أى بأسعار أقل كثيرا من سعر السوق للمنتج الأصلى، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى التوجه لتسويق منتجاتها لدى التعاونيات التى تحتاج سلعها وخدماتها، وهذا يضمن تصريف منتجاتها بسرعة أعلى من المشروع الرأسمالى الذى يترك سلعه وخدماته ليد السوق العشوائية.
     القواعد التعاونية لا تتنافى مع بيع خدمات التعاونيات وسلعها للمستهلك العادى عبر السوق الرأسمالى بالطبع، لكن يمكن لحل مشكلة التمويل الرأسمالى وضمان تسويق السلع والخدمات، أن تشترط التعاونية الإنتاجية نوع من العضوية الاستهلاكية بها لمن يرغب فى استهلاك السلع أو الخدمات التى تنتجها التعاونية، بحيث يستفيد العضو المستهلك بالسلعة والخدمة بسعر أقل كثيرا من سعر الجملة بالسوق لإنها غير محمل بكثير من تكلفتها كالإعلانات والتعبئة والتغليف والتسويق وأحيانا النقل والتخزين.
     هناك طبعا احتمال أن  تتكدس سلع لا طلب عليها، و لتلافى تلك الخطورة، لا بد أن يتم الإلتزام بقدر الإمكان بإنتاج السلع والخدمات لصالح المستهلكين الثابتين بناء على استطلاع رغباتهم فى نوعية وكمية السلع والخدمات التى يحتاجونها بالفعل، كنوع من الإنتاج بناء على الطلب، وهو ما يقلل من خطر تكدس البضائع واحتمال تلفها وعدم تخطيها تاريخ الصلاحية.
    مشكلة التمويل جوهرية فى حالة التعاون الإنتاجى، و قد ثبت أن التعاونيات الإنتاجية لا تحقق نجاحا ملموسا فى ظل السوق الرأسمالى، إلا بوجود منظومة ائتمان وتأمين قوية تضمن حل مشاكل التمويل والسيولة النقدية، بقروض ميسرة للتعاونيات، سواء عند الإنشاء أو فى حالات التوسع الاستثمارى وتمويل العمليات المختلفة، ومن ثم يمكن أن تبدأ الحركة التعاونية من البنك التعاونى، أو تعاونيات التأمين التعاونى المختلفة، لتستثمر الأموال التى تجمعت لديها فى تمويل النشاط التعاونى، أو تشترك مجموعة من التعاونيات فى تأسيس بنك يجمع احتياطيتها و مدخرات واشتراكات أعضائها، لتضخها كتمويلات لها.
    فوائد رأسمال ضرورية فى التعاونيات الإنتاجية لتشجيع التمويل وتوسيع رأسالمال وجمع مدخرات صغار المدخرين، كما أن تكوين الاحتياطى مهم وضرورى فى حالة الإنتاج على أن يكون تحت سيطرة التعاونية نفسها، كما إن خدمة المجتمع ضرورية مقابل الإعفاءات الضريبة والتسهيلات المختلفة التى تقدمها الدولة للتعاونيات على أن تضخ فعلا تلك الخدمة لصالح المجتمع المحلى وبواسطة التعاونية نفسها.
    أخيرا لن تنتصر التعاونية على الرأسمالية إلا باستخدامها تكنولوجيات أكثر إنتاجية، ومن ثم فموضوع البحث عن البدائل التكنولوجية التى يتيحها العلم والتطوير التكنولوجى فى منتهى الأهمية لكى تحقق التعاونية كفاءة أعلى من المشروع الرأسمالى.

   أرجوا أن أكون أجبت عن السؤال فى حدود حجم المقال.نعم نستطيع أن ننتصر ولكن عبر طريق مختلف.

الخميس، 25 ديسمبر 2014

هل تحولنا لباعة جائلين هو قدرنا فى ظل الرأسمالية؟

هل تحولنا لباعة جائلين هو قدرنا فى ظل الرأسمالية؟
سامح سعيد عبود
حتى نهاية الثمانينات، نادرا ما كنت ترى باعة جائلين أو مندوبى مبيعات يدورون فى الشوارع والمقاهى و يذهبون ببضائعهم حتى المنازل ومحلات العمل، وأما المتاجر والأسواق والمقاهى والمطاعم، فقد كانت قليلة مقارنة بعدد السكان، ولذلك كانت معظم الأحياء تتميز بالهدوء، وليس بذلك الصخب التجارى الذى حول المدن لأسواق تجارية مثل الآن، فقد كان المصريون فى غالبيتهم الساحقة ينتجون فى الحقول والمزارع والمصانع والمناجم، أو يقدمون خدمات مفيدة وضرورية فى التعليم والعلاج والنقل والمواصلات والاتصالات ، وكان المتطفلين على صناع الثروة من هؤلاء المهمشين لم يشكلوا الجزء الأكبر من السكان كما هو الوضع القائم الآن.....حيث كان هناك بعض موظفى الحكومة و قليل من المهمشين...وكان سوق العمل بالخليج وليبيا وأوروبا يستوعب قوة العمل الزائدة عن الحاجة، حتى أغلقت الأبواب أمامهم فى العقدين الماضيين، ولم يبقى أمامهم إلا العمل التافه وغير المنتج والتسول والبطالة مقنعة وغير مقنعة فى مصر المحروسة، رغم محاولة مئات الألوف منهم الهجرة شرعيا وغير شرعيا عبر البحر إلى الشمال الأوروبى فى ظل ظاهرة الاتجار بالبشر. .
انقلب الوضع الآن تماما، فنحن إزاء مجتمع يزداد سكانه تهميشا وتطفلا وتبطلا وتسولا، فى مقابل تناقص أعداد منتجى الثروة، مجتمع تتخيل إنه قد تحول بالكامل إلى باعة، وسائقى ميكروباسات وتاكسيات وتكاتك، عندما تنزل إلى ميادين السيدة عيشة والعتبة ورمسيس وحلوان والجيزة والعباسية، حيث أحتل الباعة وبضائعهم ليس الأرصفة فقط بل أجزاء من أنهر الطرق والشوارع مثل  26 يوليو والجلاء والأزهر فى قلب العاصمة القاهرة، وتجدهم فى عربات ومحطات المترو، وهؤلاء يشكلون جزء فقط من المهمشين عموما الذين يشكلون غالبية السكان الآن الذين لا يشكل غالبيتهم العمال الصناعيين و لا الحرفيين ولا الفلاحين، كما يظن البعض حيث أكد تقرير لاتحاد الغرف التجارية إن هناك أكثر من 9 ملايين شاب يعملون فى تجارة الرصيف، يشكلون طاقة عمل معطلة وغير مفيدة، ولا تحتاج لأى مهارة ولا تدريب.أما للإجابة عن لماذا لا تستطيع الحكومة مواجهة هؤلاء بحسم؟ مع تسببهم فى أزمات للمرور بقلب المدينة بما له من تداعيات اقتصادية وخسائر مالية،وتلويث للبيئة وخلافه ، فالإجابة هى
أولا إن عددهم قد يتجاوز 5 مليون وفق إحصائيات 2006 وممكن أن يكونوا قد تضاعفوا فى العشر سنين الأخيرة، وهؤلاء لا توجد لديهم أى فرص عمل أخرى غير البيع على الرصيف وفى عربات المترو، ومحاربتهم فى مصدر رزقهم الوحيد والمتاح جديا، يعنى إما تمردهم جماعيا ضد النظام، أو فرديا بالتحول للنشاط الإجرامى.
السبب الثانى أنهم يشكلون مصدر للدخل الإضافى لرجال الشرطة وموظفى المحليات الذين يحصلون منهم على إتاوات لغض أبصارهم عنهم والسماح لهم بالعمل رغم عدم مشروعيته، فالموظفين الحكوميين يزيدون من دخولهم و يعوضون ضعف المرتبات فى الحكومة، والحكومة لا تستطيع غلق باب زيادة دخل موظفيها، فذلك يحميها أيضا من التمرد عليها من موظفيها، ومن انتشار ارتكاب الجرائم الأخطر بينهم .
السبب الثالث إن فقراء المستهلكين يجدوا احتياجاتهم لدى هؤلاء الباعة لأنها أرخص حتى ولو كانت مستعملة أو سيئة الصنع أو قصيرة العمر
 ورابع الأسباب إن هذه الطريقة فى البيع تصرف الراكد من السلع سواء لكونها فائضة أو معيبة، وهذا يحقق فوائد للمنتجين.
مشكلة التهميش وتحول غالبية السكان لباعة ومهمشين ومتسولين ومتطفلين على الإنتاج، هى مشكلة عالمية وليست محلية على الإطلاق، و سببها ببساطة إن الرأسمالية بطريقة إنتاجها و وتوزيعها وتبادلها وتكنولوجيتها، أصبحت لا تحتاج لقوة عمل كثيفة، ولا تحتاج إلى غالبية السكان كمنتجين، وإن كانت تحتاجهم بالطبع كمستهلكين، و تتيح فرصا واسعة لهم للتطفل على القلة المنتجة، بتوسيع فرص العمل التافه وغير المنتج لهم فى الخدمات، والتى بطبيعة الأمور اللهم إلا مع بعض الاستثناءات و فى بعض المجالات يكون ضعيف الأجر، والقاعدة الرأسمالية فى مواجهة أخطار التهميش هى الهاء الجميع بقليل من الطعام وكثير من التسلية، فالرأسمالية فى قطاعاتها السلعية كالزراعة والصناعة، وحتى فى قطاعاتها الخدمية تطرد غالبية السكان للبطالة والتهميش، فى عملية متصاعدة، فالمصنع الذى كان ينتج مليون سلعة بألف عامل أصبح ينتجها بمائة عامل، تاركا 900 عامل فى الشارع، ليتحولوا لمهمشين وباعة جائلين لبضائع أنتجها المائة عامل، فعدد العاملين بالصناعة والزراعة يتقلص بمعدلات متزايدة عبر العالم، حتى فى الخدمات الضرورية والمفيدة، أو التى نتخيلها ضرورية ومفيدة للمجتمع فى حين إنها مفيدة فقط للمستفيدين من الوضع القائم لا غالبية السكان .
وحل المشكلة ليست كما يطرح البعض ويتصورون عن سذاجة هى فى توفير فرص العمل المنتج والحقيقى لهؤلاء فى ظل السوق الرأسمالى، فالاقتصاد السلعى يشكوا من فرط الإنتاج لا من ندرته، وما الندرة المتخيلة إلا بسبب سوء توزيع الموارد، فما يتم إنفاقه على سلاح يترك للصدأ،  يمكن لو وجه فى إنتاج سلع أخرى أكثر فائدة،أن يحقق وفرة فيما نعتقد إنه نادر، وهذا على سبيل المثال لا الحصر بالطبع .
و مما لا شك فيه إن معنى الإنتاج بلا إمكانية للبيع فى السوق لما تم إنتاجه، هو مزيد من الكساد ومزيد من إهدار الموارد، وبالطبع فإن تشغيل كل هؤلاء يحتاج استثمارات ضخمة لإنشاء مصانع واستصلاح آراضى ، ويحتاج استثمارات لتدريبهم وتعليمهم، لكن معظم الأموال فى العالم و فى مصر محجوزة للاستثمار فى المضاربات والعقارات، فالرأسماليون يتحاشون الاستثمار فى القطاعات السلعية كالزراعة والصناعة، مفضلين  المضاربة على العقارات والسلع الثمينة والخدمات الترفيه، وذلك وفق المنطق الحاكم للنشاط الرأسمالى وهو الحصول على أعلى الأرباح.
هناك حل إصلاحى آخر قد يفكر فيه البعض هو تشغيل كل هؤلاء المهمشين والمتعطلين فى الأعمال المفيدة والضرورية، بحيث  يتم تقليص عدد ساعات العمل مع الحفاظ على نفس مستوى الأجور بالطبع،  وهو يعد ضربا من الخيال فى ظل الرأسمالية، فكيف يقبل الرأسمالى أن يشغل ألف عامل بدلا من مائة، ويدفع عشرة أضعاف الأجور التى كان يدفعها لإنتاج نفس السلع والخدمات.
وهناك حلول تطرح توفير إعانات بطالة لهم، ولا أعرف كيف يمكن توفير نقود لكل هؤلاء، والذى لا يعنى سوى مزيد من طباعة النقود بلا غطاء من إنتاج أو ذهب، وبما يعنيه من زيادة الدين الداخلى والأسعار لأرقام فلكية، فضلا عن تحويل قطاع واسع ومتزايد النمو لمتعطلين بالتسول من الحكومة. ولا أدرى كيف لبلد فقير كمصر أن توفر أموال ليست محملة بأعباء الديون الخارجية لتوجيهها للاستثمارات الإنتاجية أو إعانات البطالة.
هناك طبعا من يطرحون فرض تحديد النسل عن السكان بالقوة
ولا أدرى كيف يمكن أن نرغم كل تلك الملايين على تحديد النسل إلا بإجراءات شديدة الصرامة والاستبداد فى ظل دولة رخوة ومتهالكة و فاسدة كالدولة المصرية، تدعم بكل قوتها التدين و الهوس الدينى الذى يشجع على الإنجاب بلا ظابط و لا رابط، وأن الأرزاق بيد الله و هو الذى يطعم الدودة تحت الحجر، رغم الدعاية الرسمية لتحديد النسل.

طبعا هناك حلول فاشية يمينية تطرح إبادة كل هؤلاء السكان الزائدين عن الحاجة، طالما لا أمل فى التخلص منهم بالهجرة أو الحروب، ولكن هذا الحل يتناقض مع احتياج الرأسماليين لأمثال هؤلاء كمستهلكين أولا ، وكجيش عمل احتياطى يضغط مجرد وجودة على جيش العمل الفعلى، لكى يرضى بأقل القليل من الرأسماليين خوفا من المنافسين من جنود جيش البطالة.
الصينيين خمس سكان العالم ينتجون عشر الإنتاج الإجمالى العالمى، وفى نفس الوقت ينتجون نصف الإنتاج السلعى الصناعى والزراعى، الذى يشكل عشر الإنتاج الاجمالى العالمى، وبضائعهم تكتسح أسواق العالم،  أما الباقى أى التسعين بالمئة فهو فى الخدمات التى يتضخم نصيبها النقدى من اجمالى الإنتاج العالمى بسبب طبع النقود الحرة وعلى رأسها الدولار من غير استناد على إنتاج حقيقى و لا غطاء مادى، أو سلعى بل مجرد استناد على قوة الدولة القومية، وهو اقتصاد قائم على الديون المتبادلة فى جوهره قابل للانهيار فى أى لحظة بانهيار الدولة الرئيسة فى طبع النقود أى الولايات المتحدة، و دعمها لتلك النقود بقوة سلاحها وبالبلطجة الدولية...... من هذه الحقائق نستنتج إن كل اثنين من الصينين يشاركوا فى الإنتاج العالمى الإجمالى مثل واحد من غير الصينيين، لكن على مستوى الاقتصاد الحقيقى فكل صينى ينتج سلع مثل أربعة من غير الصينيين، أما على مستوى المصريين اللذين يشكلون تقريبا واحد على السبعين من سكان العالم، فيشاركون ب 2 من ألف من الإنتاج العالمى نصفهم إنتاج سلعى أى واحد من الألف، أى إن إنتاجية كل مصرى أدنى بكثير من إنتاجية أى انسان غير مصرى، سواء على مستوى الاقتصاد السلعى، أو مجمل الاقتصاد، مما يعنى إننا محليا فى حاجة لزيادة الإنتاجية، لكننا مندمجين فى سوق عالمى يعانى بالفعل من فائض فى الإنتاج السلعى وليس العكس، والبشر ليسوا فى حاجة لمزيد من السلع، بقدر ما هم فى حاجة لإدارة مختلفة للموارد البشرية والطبيعية ليشعر الجميع بهذا الفائض، المساء فقط توزيعه.

أيها السياسى والمؤدلج بعيدا عن الشعارات التى تنتجها وتستهلكها، هل يمكن أن تقدم حل عملى ممكن لتلك المشكلة على نطاق محلى أو عالمى؟، هذه هى الحنكة والدور المطلوب منك، وليس صراع الديوك الأيديولوجى والسياسى، وليس  الشعارات والكلام الرومانسى والحماسى، غير المؤسس على المعلومات الصحيحة والعلم.